الغرب.. مجتمعات بأيدي المختلين والساديين
ترجمة: هيفاء علي
عن ريزو انترناشيونال 25/4/2018
يبدو جليّاً أن الثقافة الغربية مقترنة بالانتقام، الإجرام، الانقياد والعقاب. ويبدو المجتمع الغربي في الوقت الراهن الأقل تحرراً في العالم. في أمريكا الشمالية وأوروبا، الجميع مراقبون، ويتمّ التجسس عليهم، وحتى يتم تجديد المعلومات الشخصية الخاصة بهم بشكل مستمر، فيما تُستخدم كاميرات المراقبة بلا روية، بمعنى أن الحياة لديهم محاطة ومنظمة بتحكم، وما من أمر مفاجئ.
هنا، في هذا الغرب، يُسمح للمرء أن ينام مع من يريد، والمثلية الجنسية مسموح بها، ولكن هل هذه هي كل “الحرية”؟.. لنرى إلى أين تمتد حدودها المعتادة: التمرد ليس مسموحاً به بل يتمّ قمعه بوحشية، وجراء هذا الاستفزاز وبعض الأخطاء ينتهي الأمر بالكثير إلى السجون، وراء القضبان. ونتيجة ذلك فإن عدد السجناء في الولايات المتحدة مقارنةً مع عدد السكان هو الأعلى من أي بلد آخر، علاوةً على ذلك يجب أن تأخذ السجالات، وخاصة الخطابات العامة، بعين الاعتبار العبارة الشهيرة “سياسياً صحيح” مع تقلباتها.
بالعودة إلى ثقافة الرعب والعقاب، لنرى عناوين الصحف الغربية، على سبيل المثال العنوان الوارد في نيويورك تايمز، في 12 نيسان 2018 “عقوبة سورية قد تكون أشد قساوةً هذه المرة”. لقد اعتدنا على استخدام هذا النوع من الخطاب من قبل الإمبراطورية لدرجة أننا لم نجده غريباً أو مرضياً أو ملتوياً.
“كارل غوستاف جونغ” وصف “مرض” الثقافة الغربية، بالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية، مؤكداً أن الغرب ارتكب جرائم مروعة بحق البشرية على مدى قرون من الزمن، ما يفسّر لماذا أطباء الأمراض العقلية وعلماء النفس الغربيون يعظّمون الأنانية أو النرجسية عند “سيمون فرويد” اللا سياسية، متجاهلين رؤية كارل كوستاف جونغ. لعلّ أقصى أشكال وحالات السادية هي حالة مرضية وذهان، والغرب يُظهر بوضوح ميول سلوكية مثيرة للقلق وخطيرة للغاية منذ عدة قرون. والآن لنستوضح تعريف السادية أو اضطراب الشخصية السادية بلغة مهنية والتي تعكسها الولايات المتحدة وأوروبا. لخص موقع “ميديغو كوم” ومواقع أخرى، التعريف المشترك لاضطراب الشخصية السادية كما يلي:
“يوصف اضطراب الشخصية السادية بالميول المجاني للعدائية والتصرفات المهينة، أعراض احتقار عميق إزاء الآخرين وجهل تام في معرفتهم. بعض الساديين “انتهازيون” يوظفون عنفهم المتوتر ليكونوا بموضع الهيمنة المطلقة والمسلّم بها في علاقاتهم”. زد على ذلك، الأفراد الساديون ليس لديهم أي سيطرة أو تحكُّم بتصرفاتهم، وهذا ما يُترجم بالغضب وسرعة الغضب والحساسية الزائدة، قليل من التساهل والتسامح تجاه الكبت وطبيعة جامدة. بالنسبة لعلاقاتهم مع الآخرين، هم قساة، عدائيون، يفتقدون إلى معرفة الآخر، قلب بارد وساخر إزاء من يعتبرونهم مرؤوسيهم، علاقتهم مع حاشيتهم تعتبر صارمة وعرضةً للتعصّب الاجتماعي، ومهووسون بالأسلحة والحرب والجرائم أو مرتكبي الأعمال الوحشية. ويُعتقد أن الساديين يسعون لوضع اجتماعي يساعدهم على ممارسة حاجتهم الملحة للمراقبة والسيطرة على الآخرين وتكبيدهم عقوبات قاسية وانتهاكات صارخة. وعليه، يمكن تغيير عبارة “أفراد ساديين” بـ”دول سادية” أو “ثقافة سادية”، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو العلاج؟ وهل بالإمكان معالجة شخص سادي فعلاً؟.
في وقتنا هذا، تبدو البشرية على مفترق طرق، وفي مواجهة إبادة بشرية، وليس أمام “حالة طوارئ طبية”، وربما سيتعيّن على العالم أن يتحارب من أجل البقاء بسبب اضطراب الشخصية السادية لدى الغرب وإمبراطوريته. فما الذي بقي بالنسبة لسورية؟ وماذا سيفعل السيكوباتي السادي لبلد يرفض الخنوع والركوع له والتذلل أمامه، كما يرفض استجداء الرأفة والرحمة منه ويرفض التضحية بشعبه؟ وما هي درجة الرعب الذي سيبلغها “العقاب”؟ هذا الغرب السادي أطلق 103 صواريخ على دمشق وحمص، لكن هذا لم يكن سوى مجرد تسلية منحته الإمبراطورية لشعوبها. هذا العدوان الجائر على سورية سبّب الكثير من الألم لأمة ترفض على الدوام تبجيل وتعظيم الامبريالية الغربية ومبادئها، مبادئ المحافظين الجدد. على سبيل المثال، قامت الإمبراطورية بتصنيع وتجنيد وتدريب وتسليح التنظيمات الإرهابية المقزّزة وألقتها في جسد سورية. التعذيب سيستمر ويبدو جلياً أن السيناريو سيكون هذه المرة تبني عمل الماركيز “ساد”، وروايته “جولييت”، وليس رواية “جوستين”. ففي رواية “جوستين”، لم ُتكبّل أيدي النساء بالأغلال ولم يتعرضن للانتهاك ولا للضرب، أما في رواية “جولييت”، فقد تمّ تقطيعهن وإحراقهن وهنّ أحياء. وعليه يمكن للمرء قراءة رواية “جوستين” حتى النهاية، لكن لا يمكنه قراءة 700 صفحة حول أقصى أنواع ودرجات العنف في رواية “جولييت”. للأسف يبدو عالمنا كما لو أنه اعتاد على أعمال الرعب الذي تسبّبه الإمبراطورية الغربية المريضة، والشعوب تراقب ما يجري في أفغانستان، سورية والعراق وليبيا، كما لو أنهم يشاهدون وقائع الحياة اليومية، بدلاً من وجود ملف طبي يتعلق بحالة سيكوباتية خطيرة غدت أمراً واقعاً. “الرواية” الأكثر رعباً في تاريخ البشرية إنما كُتبت منذ قرون طويلة:
في البداية كُتبت من قبل بربرية وسادية أوروبا الفظيعة، ومن ثم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو أن البشر اعتادوا على المجازر المحيطة بهم في كل بقعة على هذه الأرض لدرجة أنهم لم يعد يتملكهم الرعب، ولا يشعرون بالخوف ولا يثورون ضد مصيرهم وقدرهم، لا يفعلون شيئاً سوى الوقوف متفرجين كيف تسقط الدول الواحدة تلو الأخرى، وكيف تُدنس وتُباد البشرية.
المرض العقلي الذي يعاني منه المسؤول عن هذه المآسي مؤكد ولا يقبل الجدل فيه وهو مرض معد. العنف الوحشي الذي يغمر العالم يطلق بدوره اضطرابات عقلية وعصبية عديدة عند الضحايا، الذين يبدو أنهم بعدما تمّ أسرهم وتعذيبهم وسجنهم، وبعدما انتهكت حقوقهم، وقعوا في حب طاغيتهم وباتوا يتبنون نظرته للعالم عن طيب خاطر ورضى.
من يسمع السفيرين الأمريكي والبريطاني في مقر الأمم المتحدة وهما يتكلمان عن سورية وروسيا، فإن أول شيء يتبادر إلى الأذهان هو إقليم بنجاب في الهند، فثمة صور قديمة لبريطانيين يعدمون مواطنين هنوداً شنقاً وسط المدينة أمام العامة. إنهم يقومون بهذا النوع من الجرائم منذ قرون عديدة، يحبون القيام بهذا الأمر ويحرضهم ويرضي غريزتهم الدموية، هذه هي ديمقراطيتهم وهذا هو احترامهم لحقوق الإنسان والثقافات الأخرى. عندما جاء البريطانيون إلى أفريقيا، أوغندا حالياً، دخل جيشهم إلى القرى وأول شيء فعلوه هو اختيار أقوى وأكبر رجل في القرية. من ثم قاموا بربطه بشجرة وقام الضابط البريطاني بضربه ضرباً مبرحاً وبعد ذلك اعتدى عليه أمام العامة، هكذا كانوا يظهرون للفلاحين من يقود ويحكم.
فما هي الحالة الصحية للثقافة التي تسيطر على العالم منذ قرون؟ أكثر شيء مخيف ومثير للقلق بالنسبة للمرض العقلي، أن الشخص لا يعترف أنه مريض.. وقد آن الأوان كي يشرع باقي العالم بمعالجة الغرب المصاب بمرض عقلي وليس “زعيم العالم الحر والديمقراطي” كما يدّعي. يجب التفكير، والتكاتف ووضع إستراتيجية واضحة وفعّالة تساعد على مواجهة هذه الآفة وهذا الوضع الخطير والمرعب. إذا ما رفضنا إدراك الوضع والتصرف سيؤول بنا الأمر إلى أخطر الأوضاع: سنكون خدماً لإرضاء نزوات السادي المكبوت المنحرفة، العدواني إلى أقصى درجة والخطير إلى أبعد درجة. إنه الغرب ممثلاً بأوروبا وأمريكا، مرتكبي أبشع وأفظع الجرائم بحق البشرية باسم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.. آن الأوان كي يتحرك العالم.