الحرب.. إلا إذا!!
باب الحرب العالمية الثالثة مازال موارباً، ولم ينفتح على مصراعيه بعد، ولكن ما يحصل على الساحة الدولية من تصعيد، واضح أنه مفتعل في أحيان كثيرة، وأن الغاية منه ليست مراجعة للحسابات أو معالجة هفوات بقدر ما هي توفير أجواء التسخين، وخاصة من بعض الذين وجدوا أنفسهم خاسرين في الحرب السورية، وباتوا يستجمعون القرائن التي سيبررون من خلالها إطلاق الرصاصة الأولى، وما يجري من اصطفافات فيما يتعلق بمستقبل الاتفاق النووي مع إيران، يؤكد أن عوامل فتح الباب على سيناريوهات يبدو من الآن أنها كارثية أكثر من عوامل الاحتكام إلى لغة العقل، وتجنيب العالم ما لا تُحمد عقباه.
وما دامت القوة العسكرية الأكبر والأشد بطشاً تتحرك بإيعاز من رئيس أحمق لا يحسب عواقب تصرفاته، ويريد حكم العالم بعقلية التاجر الذي يريد جني الأرباح بأية طريقة وأسلوب، فإنه قد يقدم على مقامرة غير محسوبة النتائج، حيث يعتبر أن ما يجول في مخيلته هو الصواب، ولا شيء سواه، والأنكى من ذلك أن من يعتبرون أنفسهم حلفاء له غير قادرين على لجمه، ونجد بعضهم مضطراً للسير معه، واتخاذ مواقف على مضض، تتعارض كلياً مع مصالح بلدانهم وشعوبهم، لكن انقيادهم الأعمى للإدارات الأمريكية لعقود خلت جعل منهم شخصيات بلا طعم ولا لون، وغير قادرة على اتخاذ موقف يجعل ترامب يفكر، ولو قليلاً بما سيقدم عليه.
ومن يتابع ما يصدر عن ماكرون وماي وميركل من تصريحات متضاربة، يمكن أن يأخذ فكرة عن مدى حظوتهم لدى الإدارة الأمريكية، حيث زار الأول البيت الأبيض معتداً بنفسه، وكأنه أحد ملوك فرنسا في عصورها الذهبية، وعازم على استرجاع شيء من أمجاد أوروبا ما قبل أمريكا، وعندما بدأ النقاش في الملفات الخلافية تبخرت أحلامه، ومن يقرأ ما صدر عنه قبل وبعد الزيارة يمكن أن يأخذ فكرة عن حجمه لدى حاكم البيت الأبيض، فحاكم الإليزيه قال قبل لقائه ترامب: إنه سيقنعه بالعدول عن موقفه فيما يتعلق بالنووي الإيراني، ليقول بالأمس: إنه لا يعلم كيف سيتصرف الرئيس الأمريكي في هذا الملف، وعلى خطاه سارت ماي وميركل، فيما نبش نتنياهو في دفاتره القديمة ليخرج بنتيجة مفادها أن طهران لا تزال تطور برنامجاً نووياً.. كذبة سرعان ما صدّقها ترامب، وانضمت إليه جوقة حكام الخليج، وعملوا على تسويقها عبر دبلوماسيتهم ووسائل إعلامهم على أنها حقيقة، ووجدوا فيها فرصة لتأجيج الأوضاع، وكسب حلفاء جدد معهم في الحرب المقبلة.. إن وقعت.
إذاً بات المشهد معقداً ومتشابكاً، والمصالح متداخلة، ولا أحد يستطيع التكهن بما ستؤول إليه الأمور، لكن الحقيقة المؤكدة أننا على أبواب نار إن فتحت لن تهدأ، وستكون العواقب أسوأ مما يتوقع ترامب ومن معه، فعندما تتحدث البندقية، وتنطلق الصواريخ لا أحد يمكنه التكهن بالنتائج. وسط هذه الأجواء تبذل بعض الدول الكبرى كروسيا والصين والدولة المستهدفة إيران كل ما في وسعها للحيلولة دون تبلور الشروط التي يمكن أن تسهل أو تمهد لوقوع نزاع مسلح، ولكن السلام كما قيل هو نتاج التزام عدم المواجهة بين طرفين.
الحرب قد تكون على الأبواب، وما يمكن أن يبعث بارقة أمل بعدم الانجرار إلى حروب واسعة النطاق هو مواقف ترامب خلال عام من حكمه، وتراجعه عن مقامرات كان ينوي القيام بها، كما هو الحال في ملف كوريا الديمقراطية، ولعل تصعيده هذه المرة تكون غايته إرضاء نتنياهو من جهة، وجولة ابتزاز جديدة لدول الخليج من جهة ثانية، وفي الوقت ذاته فإن تراجعه هذه المرة والتزامه بالاتفاق يفرضان عليه إعادة 150 مليار دولار من الأموال المجمدة في البنوك الأمريكية لإيران، وهذا ما لم يهضمه ترامب حتى الآن.
عماد سالم