تحقيقاتصحيفة البعث

سمفونية وطن تعزف لحن الخلودالشهادة.. رموز خالدة في النفوس والضمائر.. ورعاية واحتضان كبيران لأسر الشهداء

 

أينما توجهت في السويداء تجد أضرحة الشهداء تستقبلك في مداخل قراها، وفي ساحاتها العامة، شاهدة على قصص البطولة التي رواها أبناء تلك البلدة أو القرية الذين رووا تراب الوطن منذ الثورة السورية الكبرى حتى الآن، كلهم رموز خالدة في نفوسنا وضمائرنا، نحتفي بهم وبتضحياتهم كل عام.
ذكراهم محفورة
أمين فرع الحزب اللواء فوزات شقير قال خلال تدشينه أضرحة الشهداء، ومشاركته في العديد من المبادرات الأهلية: إن أبناء السويداء كباقي أبناء الوطن  أثبتوا انتماءهم للوطن بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وقدموا الكثير من الشهداء، ولابد لكل من يزور هذا المكان أن يعرف كم هم أبطال وكرماء، مشيراً إلى أهمية هذه المبادرات الاجتماعية التي تقف شاهدة على تضحيات المجتمع، وتذكرنا دائماً أن هناك أبطالاً ضحوا بأرواحهم من أجل عزة وكرامة سورية، وستبقى ذكراهم محفورة في الوجدان، وليس فقط في هذه اللوحات.

معنويات عالية
“البعث” زارت عدداً من أسر الشهداء في المحافظة، اللقاء بهم يحمل عناوين كثيرة في الوطنية، والفداء، والتضحية، فقد رسمت عوائل الشهداء أجمل صور التضحية والبطولة والشجاعة عندما وقفت الأم تزغرد فوق نعش ابنها الشهيد، وتزفه عريساً للوطن، وعندما غنى الأب أغنية الجبل المعروفة: (بالروح نفدي وطنا.. وتربة وطنا ما نبيعا بالذهب)، وها هو والد الشهيد وسام الديك الذي استشهد دفاعاً عن أمن الوطن واستقراره يقول: هنئوني بعرس البطل ولا تعزوني، هكذا أراد الشهيد، وهكذا سنفعل، ‏وليس عجباً أن تقدم أسرة واحدة أكثر من شهيد، وليس مستغرباً أن تبقى أمهم صلبة متماسكة معلنة استعدادها لتقديم المزيد من أبنائها فداء للوطن، كما فعلت أمنا/أم وليد زاد الخير/ التي التقيناها في رحاب الشهادة ودموعها التي لم تجف بعد على استشهاد اثنين من أبنائها اغتالتهما يد الغدر أثناء تأديتهما لواجبهما الوطني في الدفاع عن أمن الوطن وكرامته.
وفي بلدة حوط في الريف الجنوبي للمحافظة استقبلنا الياسمين في باب داره برائحته العطرة وشذاه الفواح، أخبرنا قصة حب شهيدنا البطل كنان العبد الله للشهادة، هذا الياسمين الذي لن يبقى عطراً ما لم تروه دماء الشرفاء، فلبى نداء ذاك الياسمين الذي تكالبت عليه كل أشواك الأرض محاولة قتل رائحته، فكان الجواب من شبابها الذين هم بعمر ذاك الياسمين ببذل الدم فداء لتراب الوطن وأزهاره، وقال وائل العبد الله والد الشهيد: لكي يبقى الوطن شامخاً موفور الكرامة والسيادة يحتاج إلى تضحيات أبنائه، وابني رواد واحد من أبناء الوطن قدم دمه وروحه من أجل صون كرامته وعزته وسيادته، وخدم وطنه بشرف وإخلاص، واستشهاده وسام شرف وفخار نعلّقه على صدورنا، والدة الشهيد فاديا العبد الله أكدت أن الوطن غال، والحفاظ على كرامته وسيادته واستقراره يحتاج إلى تضحيات أبنائه، وأضافت: إن كل دمعة ذرفت من أمهات الشهداء هي وسام على جبين كل شهيد، ورصاصة على هؤلاء المجرمين المارقين العابثين بأمن واستقرار الوطن، أعداء الله والوطن والإنسانية‏.
أبجدية الشهادة
الرفيق ايهاب حامد، عضو قيادة فرع الحزب، والمسؤول عن كتائب البعث في المحافظة التي قدمت 11 شهيداً، بيّن أنه لا حدود لتضحيات أبناء سورية الشرفاء الذين عبّروا ويعبّرون كل يوم عن عشقهم لوطنهم، وتفانيهم في الدفاع عن كل ذرة تراب من أرضه الطاهرة التي رويت بدماء الشهداء الأبرار الذين قضوا وهم يذودون عن حدود وسيادة وكرامة الوطن.
واعتبر حامد أن حالة الأمان التي تعيشها المحافظة وسط محيط ملتهب ما كانت لتتحقق لولا وعي أبنائها منذ اللحظات الأولى للمؤامرة وأهدافها، فوقفوا بوجهها متسلّحين بحب الوطن وأبنائه، متمسكين بوحدته الوطنية ونسيجه الاجتماعي المتكامل، وقد أثبتوا عبر كل التجارب التي خاضوها بأنهم أحفاد حقيقيون لمن حرروا الوطن من رجس الاستعمار، وقد أثبت أبناء السويداء ببطولاتهم صدق انتمائهم، وحبهم لوطنهم، فوجدنا شبابنا يتسابقون للموت مدافعين عن عزة الوطن وكرامته، وأشار عضو قيادة الفرع إلى أن وطناً تزغرد الأم فيه لابنها الشهيد، وتقول إن الوطن أغلى، وباتت أشجار التفاح ودوالي العنب تتغذى من تراب مجبول بدم الشهداء، لا شك أنه منتصر على كل الأعداء والمتآمرين، وسيقطع كل يد تمتد لضربه، ولن يقبل إلا النصر حليفه مهما بلغت التضحيات، وستبقى أبجدية الشهادة هي أسمى الأبجديات.

مدرسة الشهادة
ثقافة الشهادة هذه هي ثقافة وطنية بامتياز يتناقلها أبناء الوطن، ويعلّمها الآباء للأبناء عبر مدرسة استشهادية عريقة أرسى دعائمها القائد المؤسس حافظ الأسد بأقواله وأفعاله، حيث اهتم بالشهادة والشهداء وكرّمهم، فكان مميزاً بتقديسه للشهادة، وباحتضانه لأسرهم، ورعايته الكريمة لها، كما أن عطاءات القائد المؤسس لأسر الشهداء لا تعد ولا تحصى، فقد كان إحداث مكتب شؤون الشهداء بعد الحركة التصحيحية المباركة عطاء كبيراً لرعاية شؤون أسر الشهداء من مختلف الجوانب المالية، والاجتماعية، والصحية، والوظيفية، كما أصدر السيد الرئيس بشار الأسد الكثير من المراسيم والقوانين التي تم من خلالها تكريم الشهداء وأسرهم، ويتم تخليد ذكر الشهداء بتسمية المدارس والمرافق العامة بأسمائهم، إضافة إلى الزيارات التي تقوم بها القيادات السياسية، والحزبية، والشعبية، والأهلية لأسر الشهداء بشكل دوري، وتقديم الهدايا الرمزية لهم، والاطمئنان على أوضاعهم المعيشية، وتقديم الخدمات اللازمة، كل ذلك جعل الجندي السوري لا يلتفت إلى الوراء، ويعلم أن من خلفه من أهل وأبناء سيلقون كل الدعم والرعاية، فنجد مقاتلينا يتسابقون في معارك الشرف والعزة والكرامة لنيل الشهادة، والدخول في سجل الخالدين.
بطاقات شرف
رئيس مكتب شؤون الشهداء في السويداء أكد أنه لا يمكن الإحاطة بمجمل العطاءات والمراسيم والقوانين التي كرّمت الشهداء وأسرهم، لأن العطاءات كثيرة، وقد شملت كل مجالات الحياة الصحية، والمعيشية، والتعليمية، والإنسانية، والاجتماعية، وقال: تقدم مراسم دفن، وتعويض وفاة، وتأمين معاش لكل شهيد متطوع في الجيش، أما من يؤدي الخدمة الإلزامية فله راتب شهري لأهل الشهيد على مدى حياة الوالدين، ولزوجة الشهيد وأولاده، الراتب مقسّم بالتساوي فيما بينهم، كما يتم تقديم مبلغ نقدي بدلاً للسكن المجاني لكل أسرة شهيد، ويتراوح المبلغ حسب عدد أولاد الشهيد، وإذا لم يكن متزوجاً فيكون المبلغ المحدد لوالديه، ومن العطاءات التي قدمت لأسر الشهداء بطاقات الشرف لكل فرد من أفراد الأسرة، يحصل حائزها على جميع الخدمات الصحية المجانية، بما في ذلك التداوي، وإجراء العمليات الجراحية، مع حسم مقداره 50% من أجور وسائط النقل الجوي والبري والبحري التابعة للقطاع العام والمشترك، ويقوم مكتب الشهداء بالتنسيق مع الجهات المعنية لتأمين فرص عمل دائمة لفرد من أفراد أسرة الشهيد، كما يتم تخليد ذكر الشهداء بتسمية المدارس والمرافق العامة بأسمائهم، وتقوم الإدارة السياسية بزيارة أسر الشهداء بشكل دوري، وتقديم الهدايا الرمزية لهم، والاطمئنان عليهم.

سمفونية الوطن
تراب الوطن غال: (تربة وطنا ما نبيعها بالذهب.. دم الأعادي نجبلوا بترابيها)، هي من أكثر الأهازيج تداولاً بين أبناء جبل العرب، خاصة أثناء تشييع الشهداء، وأصبحت كلمات هذه الأهزوجة كالدماء تسري في عروق شباب الجبل، لذلك وجدناهم مفعمين بالحماسة والإقدام، واختصروا كل طموحاتهم وأهدافهم، كل آمالهم وأحلامهم بكلمة واحدة وهي الوطن، أما ترابه فكان بالنسبة لهم الأغلى والأثمن، ولم يبخلوا عليه، فرووه بدمائهم، وكلهم ثقة ويقين أن ذاك التراب المجبول بالدم سيزهر ورداً ورياحين، وستخضر الرياض، وتتراقص أغصان السنديان، وتتباهى أوراق الدوالي، وتشمخ طرود التفاح، وما احتفاء أبناء الوطن بأسر الشهداء إلا دليل على اللحمة، والوحدة، وعربون وفاء واحترام وتقدير، ومن هنا نجد سمفونية الوطن تعزف بأنامل كل أبنائه، منهم من غنى أغنية الخلود، ومنهم من ينتظر، والعيون كلها ترنو إلى عزة الوطن وكرامته.
رفعت الديك