الشهداء .. وصناعة المجد الوطني
د. صابر فلحوط
يأتي عيد الشهداء في هذا العام، وقد ازدحمت مدارج الخلود، بأرواح الغوالي من أبطال الوطن ورجاله الأكرم والأعظم في التاريخ.. فقد شهدت سورية العربية خلال السنوات السبع العضوض، عبر الحرب الوطنية العظمى ما لم يشهده بلد على وجه هذا الكوكب، من شلالات دماء تفجرت، ومنائر حضارية تهدمت، وأرواح طفولة أزهقت غطت الوطن من أقصاه الى أقصاه.. وقد شارك في جريمة العدوان الكوني على سورية كل شياطين الأرض، ووحوشه من أمريكا، وأوروبا العجوز، حتى الرجعية العربية النفطية،. وجميعهم يعملون في خدمة المشروع الصهيوني الاستيطاني العنصري الهادف لإلغاء وجود الأمة العربية سابقاً ولاحقاً، ومستقبلاً.؟! وقد أصبح نواطير الرمل وأمراؤه يتسابقون في الركوع والزحف على البطون والذقون في طلب رضا العدو الصهيوني الذي يدنس كل مقدس في الحياة العربية.
فالشهداء الذين انطلقوا في مسيرات الكرامة، والعزة والخلود، منذ الفتح العربي العريق، مروراً بمواجهة المغول والتتر والحملات الفرنجية، والاستعمارين التركي والأوروبي، واستمراراً بحرب تشرين، أمجد أيام العرب في القرن العشرين – وانتهاء بالحرب الوطنية العظمى في بلد الشهداء، هؤلاء الشهداء على رحابة تاريخهم وثرائه، يؤكدون من خلال مغاوير جيشنا العقائدي أن لا تجفيف للعرق في سورية، ولا استراحة لشهيد إلا على كتفي شهيد سبقه، الى رفرف الخلود، حتى الانتصار الأكبر المنتظر في الأيام القادمة، حيث يكون العرس القومي للعروبة، والأممي للإنسانية والعالم أجمع، بفضل دماء وفداء أبطال الجيش العروبي المدعم بشعب صامد صابر وقيادة مفولذة الأعصاب والإرادة، ومحور مقاومة يشد عزائمه الأصدقاء في الاتحاد الروسي العظيم، والأشقاء في إيران والمقاومة الوطنية اللبنانية وجميع شرفاء العروبة.
قبل – الربيع – المشؤوم بنصف قرن، لم يكن صعباً إقناع – الأشقاء والزملاء – العرب، إبّان تأسيس الاتحاد العام للصحفيين العرب، في جعل السادس من أيار عيداً للصحافة العربية، تأكيداً للتآخي التاريخي بين السيف والقلم في الدفاع عن الوطن وقيمه ورسالته. أما اليوم ونحن نرى سيول الإعلام الموسومة بالصفة – العربية – تصب حمم الأبلسة، والتزوير على مدار الساعة الإعلامية ضد سورية العروبة، فإننا لاشك نحزن أشد الحزن لما آلت إليه الأقلام الصحفية – العربية – من انحدار وانكسار وتلوث ضميري، ونعتز في الوقت نفسه بما يدفعه الإعلام العربي السوري من كفارة عن الإعلام – العربي والعالمي – حيث قدم إعلامنا أكثر من مئة شهيد وجريح خلال الحرب الوطنية العظمى مردداً، ومفتخراً مع الشاعر العروبي:
(عذر لمن ماتَ لا عذر لمن سَلما
إذا تهدّم مجدٌ واستبيح حمى)
(سيانَ فوق دروب النصر في وطني
مَن يحمل السيف أو من يحمل القلما )
كما أن إعلامنا الوطني، وجمهرة مثقفينا، ومفكرينا، مازالوا في نفيرهم المتصاعد من أجل حماية الوطن إلى جانب رفاقهم في الجيش العقائدي في الوطن الذي يستحق أن يبذل من أجله الأغلى من الروح والمال والولد أليس هو وطن الإنسان الأول، كما هو منطلق العروبة الأول في عاصمته – دمشق – التي مازالت عامرة منذ عشرة آلاف عام، وقد قدم إقليمها للبشرية، أول نوتة موسيقية، وأول وثيقة دفاع عسكرية، وأول مسكن للإنسان أقيم في منطقة تل المريبط على الضفة اليسرى لنهر الفرات، وأول كتابة في الكون شاهدها أوغاريت على الساحل السوري كما شهدت أرضه أول سنبلة قمح، وأول عملية تدجين للحيوان البري. وقد حمل أبناء سوريةرسالات الأنبياء عموماً، فكانوا بعبقرية المعرفة، وكنوزها، السلّم الروحي بين الأرض والسماء كما أبدعت فوق التراب السوري الحلقة الأولى من مسرحية الحياة البشرية حيث قابيل النبي وأخوه هابيل، كما شهدت طوفان نوح والمولد الجديد للبشرية، إضافة إلى تميز سورية في أنها منذ عصر الهكسوس، وقبل الفراعنة، بقرون، تمثل الثقل في الدفاع والتلاحم مع – قلب العروبة مصر – في القارة الإفريقية، كما كانت قبل ألف عام الدرع والمتراس دفاعاً عن الوطن العربي بشهادة شاعر الأمة العربية الأكبر – أبو الطيب المتنبي – القائل في مدحه للقائد الحمداني الحلبي – سيف الدولة – :
( كيف لا تأمن العراق ومصر وسراياكَ دونها والخيولُ)
فلشهداء السادس من أيار، الحلقة المبكرة الأقدس في سلسلة الخلود العربي، كل الإجلال والإكبار، ولشهداء الحرب الوطنية العظمى في وطن الشهادة سورية العروبية، نبض القلوب، وضوء العيون وبسمة الأطفال، وربيع الأمل الأخضر. ولشعبنا المدهش في جسارته، وجدارته، وصبره وتضحياته الصفحات الأنصع في تاريخ الصمود بين الأمم في هذا العصر، وكل عصر.