تسويق الحريري عبر آليات «نفي النفي»
د. مهدي دخل الله
تبدو وسائل التسويق الاستخباراتية لفكرةٍ ما أو لشخصٍ ما غريبة ومفاجئة بعض الشيء. المطبخ الأمريكي في الدعاية السياسية يستند إلى علم النفس الجماهيري وعلم النفس السياسي بوجه خاص، وهناك طريقتان – على الأقل – في هذا المنحى، طريقة التأثير الإيجابي، وطريقة التأثير عبر نفي النفي أو سلب السلب.
- الطريقة الأولى استخدمها المطبخ الاستخباراتي الأمريكي أثناء التخطيط لما يسمى «ثورة الأرز» في لبنان. طلب هذا المطبخ من جميع القوى المشاركة في الحشد الشهير في بيروت أن يرفعوا العلم اللبناني بكثافة، وعدم رفع أعلام الأحزاب والقوى المشاركة، وفعلاً بدت الساحة مزدحمة بالأعلام اللبنانية التي غطت رؤوس المتظاهرين تماماً.
التأثير الإيجابي هنا هو التركيز على رمز يحبه كل الناس، وإخفاء الرموز الأخرى التي يحبها بعض الناس فقط، وإظهار الحدث على أنه حدث وطني جامع بعيداً عن الأحزاب وخلافاتها.
لدينا نحن في الحرب مثل هذا التأثير الإيجابي المتمثل بنشر العلم السوري في كل زاوية وجدار وعلى أبواب المحلات، إضافة إلى شعار «بالروح بالدم نفديكِ سورية» الذي يردده الجنود بعد كل نصر..
- أما طريقة «نفي النفي»، فهي بعكس الطريقة السابقة، وتقوم على اضطهاد الرمز أو الشخص، (أي نفيه) من أجل إثباته، (أي نفي النفي). هذه الخطة الأمريكية نفذتها السعودية مع سعد الحريري..
الفكرة هي الآتي: لما كانت غالبية الشعب اللبناني تفضل السياسي المستقل، ولما كان الحريري محسوباً على السعودية، فمن الضروري نفي هذه العلاقة تمهيداً لنفي نفيها من أجل الترويج لسعد. مسرحية احتجازه في الرياض الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، حيث حصل الحريري على تعاطف الكثيرين على أساس أنه مستقل. الخطوة الثانية كانت ما تسرب إلى الرأي العام حول قرار سعودي ملكي بنبذ الحريري بعد استيفاء ديون الأمراء منه، وترشيح نهاد المشنوق رئيساً للحكومة اللبنانية بالاتفاق مع سمير جعجع. تسريب هذه المعلومات هدفه حشد أكبر قدر من التعاطف مع سعد الحريري باعتباره زعيماً «مستقلاً»..
بعد تنفيذ هذه الخطة يدخل السعوديون عبر «حصان طروادة- الحريري» إلى البيت اللبناني للسيطرة عليه تماماً. إن نفي «الحريري» عن السعودية هو من أجل التمهيد «لنفي النفي»، وكل نفي للنفي هو إثبات .. هكذا يعلمنا المنطق.
علم النفس الجماعي والاجتماعي والسياسي هو علم له مفاهيمه ومفاتيحه، وهو حيادي كعلم، يمكن استخدام مفاهيمه لتسويق الأمور السيئة أو الحسنة على السواء. حبذا لو يتعزز الاهتمام عندنا بهذا الجانب، ونحن نعيش في عالم لايهتم بالأفكار والمواقف مهما كانت بنّاءة إن لم نحسن تسويقها.
mahdidakhlala@gmail.com