ليلة القبض على القبة الحديدية!!
د. صابر فلحوط
كاد أن يصبح مستقراً في الأذهان، في الشارعين الإقليمي والدولي، أن “إسرائيل” تمتلك قبة حديدية تشكل درعاً فضائياً قادراً على ابتلاع الصواريخ التي تستهدف منشآتها ومقارها العسكرية، وتحمي مستوطناتها وكل “كائن” فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، غير أنه ليلة العاشر من أيار، على مرأى ومسمع من العالم، قلبت الصواريخ العربية السورية المعادلة لحظة دكت المواقع العسكرية الصهيونية في الجولان وصفد وغيرها، وذلك بشهادة قيادة جيش العدو الصهيوني الذي نادراً ما يعترف بنكسة أو هزيمة أو تفوّق من جانب “الآخر”.
لقد أدرك العدو أن معركة جنوب دمشق بعد تحرير الغوطة الشرقية ربما تكون “آخر المعارك” في حجمها ورمزيتها وأبعادها الجيو سياسية، لقربها من العاصمة – دمشق- نديمة الخلود التاريخي منذ أكثر من عشرة آلاف من الأعوام المترعة بالحضارة والجدارة والازدهار والاستقرار، وكان لابد لهذا العدو – كعادته – بعد كل معركة منتصرة ضد الإرهاب التكفيري الوهابي النفطي من أن يحاول هز قناة الجيش السوري العظيم، فكان هذا العدوان على بعض المواقع العسكرية السورية نجدة للإرهاب ودعماً للمؤامرة التي حيكت خيوطها في البيت الأبيض خلف البحار، وتم تنفيذها على الأرض السورية بدماء وحوش الإرهاب، وبالمال النفطي الخليجي.
بعد اعتراف العدو بإصابة أربعة صواريخ سورية من أصل عشرين هطلت على المواقع العسكرية الصهيونية ليلة القبض على القبة الحديدية، وإذا علمنا أن العدو يكذب، كما يتنفس، فإننا واثقون أن القبة الحديدية الصهيونية فرية كبيرة صنعها الإعلام الصهيوني لاستجلاب الرعب إلى قلوب الضعفاء والخائفين من الموت الذي هو طريق الخلود للرجال.
إن جيشنا السوري الإعجازي الذي ثبت في الميدان مقاتلاً الإرهاب وداعميه من أكثر من مئة دولة في العالم، كما يحارب الرأسمالية العالمية ممثلة بالبنك الدولي وبيوتات المال الصهيونية، ويواجه في الوقت نفسه العقل السلفي المتخلف الحالم بأنهار العسل واللبن المصفى، وبالحور العين، هذا الجيش العروبي الذي استوعب دروس الحرب الكونية على الوطن، وخرج منها شامخاً وساطعاً كالسيف الدمشقي يحمل أوسمة التضحيات ورايات الانتصار، قد راكمت الحرب الوطنية العظمى من خبراته المكتسبة من ميسلون والمزرعة والجلاء حتى حرب تشرين التحريرية مجد العرب وذروة اعتزازهم رغم نكوص المهزومين والجبناء الذين باعوا الكرامة والعروبة بتواقيع الذل والخنوع للعدو التاريخي للأمة العربية.
لقد عاش أهلنا في الجولان، وفي كل ساحة من فلسطين نشوة الفخر والكبرياء، ليلة القبض على القبة الحديدية، كما استشعر، وتأكد من جديد، كل مخيم، وخيمة، وأسير، ومقاوم داخل فلسطين أو في الشتات، أن لا سبيل للتحرير والعودة إلّا بالتزام القاعدة “التاريخية” التي أرساها الزعيمان الخالدان جمال عبد الناصر، وحافظ الأسد، ويحمل سيفها اليوم جيشنا العقائدي، وهي أن: (ما أخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة)، وأننا (أقوياء بمقدار ما نمتلك من الحرية، وأحرار بمقدار ما نمتلك من القوة)، و(أن فلسطين ليست الجزء الجنوبي من سورية، وإنما سورية هي الجزء الشمالي من فلسطين)، مستذكرين في هذا الصدد قولة الزعيم الخالد حافظ الأسد لوزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر غداة قدّم له هدية الرئيس الأمريكي نكسون، وكانت بعض حصيات من صخور القمر: (نتمنى أن تعلموا، وتتأكدوا في أمريكا أن ذرة واحدة من تراب القدس والجولان تعادل الشمس والقمر معاً بنظر الشعب العربي السوري والشرفاء في الأمة العربية).. تحية لجيشنا العقائدي الذي يشد من أعصابنا، ويقصّر المسافة بيننا، وبين النصر الذي نسارع الخطوات نحوه، ونهيىء للاحتفال به البيارق والرايات التي تليق بعظمة شهدائه، وما بذلوا من دم طهور بدد ظلام الأمة، وعطّر ترابها بمسك الخلود.
وكل التحايا لشعبنا المدهش في صموده الجبار، وبذله غير المحدود.
وكل التحايا لقيادتنا التي تبدع كل يوم في جبهات السياسة، كما ميادين السلاح، الانتصارات التي تسهم في تعديل موازين الدول وحقوق الشعوب المناضلة من أجل النصر الناجز على الإرهاب الذي تدفع سورية وحلفاؤها في محور المقاومة من دم أبطالها ثمن القضاء المبرم على هذا الإرهاب الذي يشكل أخطر أنواع السرطان القاتل في عصر الدولار والنفط.