ثقافةصحيفة البعث

دمشق حاضرة في قصائد الدندح وفطوم ومصطفى

 

“دمشق القصيدة والوعد بغمام أبيض كقلوب الصابرين على الوجع القابضين على الجمر الحالمين بحياة لاتنهزم أمام تغول الموت يليق بك الشعر” بهذه المفردات رحب الناقد عمر جمعة بالحاضرين وبالشعراء المشاركين، فدمشق المكان الآسر العشق الذي جمع بين ثلاثة شعراء، استهلوا قصائدهم بتوجيه تحية إليها، ليعبّر كل منهم عن مكنوناته بصور مختلفة للحبّ، لكن كل الدروب كانت تقود إلى الوطن الذي نزف وفقد الكثير، في الأمسية الشعرية التي أقيمت في المركز الثقافي العربي -أبو رمانة – بإشراف الأديبة عبير القتال وإدارة الناقد عمر جمعة، ومشاركة الشعراء علي الدندح وغادة فطوم وليلى مصطفى، حيث اختلفت مسارات القصائد من حيث البناء والخصائص الفنية. واللافت مكاشفة العناوين في أغلب القصائد وافتقارها إلى الدهشة التي تجعل المتلقي في تساؤل وحيرة باستثناء قصائد الدندح. وقد قدم الناقد عمر جمعة إضاءة تعريفية لامست بعض الومضات من الخصائص الشعرية للمشاركين، فاستحضر ما قاله الشاعر خالد أبو خالد عن الروائية والشاعرة غادة فطوم “غادة دخلت فضاء الإبداع من باب الهجرة إلى الداخل والتطلع إلى المحيط وإشكالاته وقضاياه، وتعاملت مع ثلاثية ترددت في أغلب نصوصها(الحب والموت والحرية)، وتابع جمعة عن السمة البارزة في شعرها وهي إخلاصها للمكان، إذ اعتمدت على المدن كركيزة أساسية في بناء القصيدة من دمشق إلى الجولان إلى القدس إلى غزة التي تهتف للشهيد الفلسطيني:
“قم يا صاحب البحر/واصرخ يا أيها الفلسطيني العائد إلى بحرك”
“هنا تبدأ الجنة/تجلى الله في شرقها وغربها”
وتميزت القصائد التي قرأتها بوجدانيات خاصة، أجملها قصيدة خصّت بها والدها الروحي الشاعر الكبير خالد أبو خالد.
“فاضت كل شلالات الهوى/كشمعة تذوب بين كفيك/أهديك كل أيامي وذاكرتي وأنشودة دمي”
ومنها إلى الحرب الإرهابية التي أوجدت الكثير من الشروخ في ذاتنا، لكنها جعلتنا أقوى بصمودنا بدا هذا التعبير واضحاً في قصيدتها”سورية دوت كوم” من مجموعتها ضجيج الحجارة:
“سورية من الماء إلى الماء/ومن التراب إلى التراب/ومن الفضاء إلى الفضاء/ ومن النور إلى النور/ومن النبض إلى النبض/ومن السماء إلى السماء”
ومن خلال قصيدتها أوتار أيضاً تتجلى قدرتها على إيجاد متتاليات وصفية ضمن السرد الشعري موظّفة روح الرواية كونها روائية في لغتها الشعرية مستحضرة أسطورة إيزيس.

نداءات متتالية
وتغيّر مسار الأمسية مع نغمات صوت الإعلامي الشاعر علي الدندح بإلقائه الجميل لقراءاته الشعرية من مجموعته “لاصوت للظل” واستهلها بتحية إلى أخيه الشهيد والتي تنسحب على جميع الشهداء بقصيدته “إلى أخي الشهيد”
“قدر الرجولة أن/يكون الرائعون لنا فدا/قدر الذين نحبهم/أن يستحيلوا قدوة/للعابرين إلى الصباح”
ليرى جمعة أن الدندح حاول أن يكفكف دموعه الحارقة ويرفو جرحه النازف ليؤكد بأننا يمكن أن نواجه كل هذا الخراب ونتطهر من الآلام بالكلمة، ليتابع عن المفاهيم التي استقى منها قصائده والتي أعطت شعره قوة العاطفة ومتانة التعبير وجزالته، وباتت محطات هامة تتوقف لديها قوافيه فنلمس بين سطوره الوحدة والحزن النبيل والانتظار.
وفي قراءاتنا نلمح لون الحنين الشفيف في قصائده ورقة الأحاسيس الممتزجة بالحلم والأمل ضمن مطوّلاته الشعرية الموزونة والمتتالية وفق فصول شعرية تتناغم فيها الجمل الخبرية والفعلية، ضمن إطار التماهي بين المرأة والمحيط على غرار التشكيليين، وبدا بوضوح تأثره بالمدرسة الرومانسية الحالمة الباكية في آن واحد، وفي قصيدته “لاصوت للظل” طغى أسلوب المناداة بالخطاب الشعري”يا نخلة روحي- يابنة هذي الأرض” ليصل إلى “يا امرأة أمطرت الكون بعينيها” ليصبح النداء أقوى حينما بدأ بمناداتها بمقطع جديد:
“يا امرأة/تأتي من دون مواعيد/في لحظة تكوين المطر العذري/وتأتي ساهرة/بحروف الشوق/ولون الدمع/الماثل في خديها”
وتمضي الأمسية مع فضاءات مختلفة للشاعرة القادمة من اللاذقية ليلى مصطفى والتي وصف جمعة قصائدها بالمدهشة بالحبق والندى وبسطورها المفعمة بالشجن، من حيث إخلاصها للغة الحامل الجمالي لقصائدها المنسوجة بجمالية التشابيه والاستعارات والصور والمفردات، فاستهلت قصائدها بقصيدة”شهقة التاريخ” التي تغنت بها بدمشق ووصفتها بامرأة أوغاريتية، لتغوص بأزقتها وحاراتها وصباحاتها الفيروزية وعطرها الشامي بطغيان الخطاب الإخباري المتمثل بالجمل الخبرية، وتمثلت مشاركتها الأساسية بقصيدة الغريبة التي تاهت فيها روحها بين أمواج الغرام:
“كيف نسيت سكرة النبيذ/في حضن القمر/حين أسرجت مطالع/الحروف/على ناصية الغرام/لما اعتنقت البياض/وتعمدت بماء روحه..وهم انتباه”.
اعتمدت مصطفى على إشراك المتلقي معها بإثارة التساؤلات بأسلوب الاستفهام”كيف” وعلى تتابع الجمل الفعلية لارتباطها بزمن ماض، لتتضح جمالية الحبّ لديها باستعاراتها في قصيدة صغيرة عنونتها ب”حقي وما يزال”: من حق حروفي/أن ترتمي على أصابعك/التي لاتشيخ”.
ملده شويكاني