“نديم محمد” شاعر التمرد والألم والخيبات
هو واحد من أشهر شعراء سورية في القرن العشرين، من حيث غنى مادته الشعرية وغزارة إنتاجه مع أنه كان شاعراً كثير الخيبات في حياته المديدة. بهذا قدم الكاتب منذر يحيى عيسى لإصداره الذي يأتي ضمن منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب سلسلة أعلام ومبدعون.
يضيء الكتاب على تجربة الشاعر نديم محمد من جوانب عديدة بدءاً بولادته ونشأته الأولى إلى وفاته مروراً بالفترة التي عانى فيها الفقر، وركز على نشاطه الذي توزع مابين الاجتماعي والوطني ونظرته إلى الكثير من الظروف السياسة التي مرت فيها البلاد إذ أدخله إخفاق مشروع الوحدة القومي في حالة من الخيبة.
في عين شقاق ولد نديم محمد قريته التي صورها في قصيدته:
“ضيعتي/ قصة الينابيع/ والطير/ وهمس الغصون/ للنسمات/ ضيعتي/ لوحة من الفجر والليل/ وناي الأعراس والراقصات”.
القرية التي غادرها بعد أن أكمل تعليمه لدى شيخ الكتاب والمدرسة الابتدائية في القرية المجاورة ثم في تجهيز الفرير في اللاذقية حيث بدأت بواكير الوعي والتمرد حتى على الأسرة ربما لحساسيته المفرطة وكتابة الشعر، بعدها انتقل إلى بيروت. ظهرت في شعره مشاعره الوطنية إذ ألقى قصيدته في ذكرى شهداء عام 1916:
عذرت دمع الناس فلينسكب
وليعذروا دمعي فلن يسكبا
وكل من جاهد في أمة
مظلومة سن الردى مذهبا
إن مسيح الوطن المفتدى
لا بد أن يؤذى وأن يصلبا
في إشارة منه أن المحن تدفعنا إلى العمل وليست مناسبة للنواح فقط، بعدها غادر إلى فرنسا فسويسرا لدراسة الحقوق يعود إثرها إلى سورية بطلب من السلطات السويسرية مصحوباً بالخيبة والألم:
ألم حنوت عليه أسلمه بيدي
وأحله عيني وأُنهله دمي
فيطوف صدري باعثاً من دِفئه
نعمى ينم على نضارتها فمي
بعد أن باتت حاله الوظيفية بين استقالة وعودة عنها أدخلته في حال من اليأس والملل لكنها لم تمنعه من التفاعل مع الحالة الوطنية، بينما الثورات تعم البلاد وأبرزها الثورة السورية الكبرى واستقبال اللاذقية لأول حاكم عربي، والاستقلال، بالإضافة إلى الأوضاع القومية من ثورة العراق وتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر إذ لم يكن بعيداً عن تأثيرها والتفاعل مع أحداث كبرى مثلها، يقول في الثورة المصرية:
الأباة الأحرار لا تورق الآفاق
إلا على يديهم نصولا
أنت لا تقطف الشموس بعينيك
ولكن بالعزم تشفي الغليلا
حطم العرش، إن رأيت على
العرش إلهاً ، مسفّهاً مرذولا
وحين قامت الوحدة بين مصر وسورية تغنى بها في قصيدته” علمي”:
طار في الأفق جناحا وتخطاه رواحا
علمي سكران بالزهــو غبوقاً واصطباحا
ولأن حاله في العمل الوظيفي لم يكن مستقراً إذ عين كاتباً لمحكمة اللاذقية ثم استقال وعاد أميناً لسر المحافظ وعانى من التمييز في العمل وعدم المساواة وتقدير جهوده ما دفعه للاستقالة غاسلاً يديه مما اعتبره نوعاً من الإثم:
غسلت يدي من الإثم العظيم
وأنقذت الضمير من الجحيم
نجوت من القيود وطرت حراً
أنفّض جانحيّ على النجوم
في العام 1948 بدأت أعراض السل عليه ليدخل مرحلة من المعاناة في عالم المرض والأوجاع، وفي مصح بحنس في لبنان حيث كان يعالج من تطور حالته إلى نوع من السرطان، كتب خلال تلك الفترة قصيدته يدفع آلامه بالشعر:
فراشةٌ حائمةٌ، وشمعةٌ حزينةٌ، وموقدٌ مرمّد
ومضجعٌ تنبح فيه سعلةٌ مديدةٌ يقطعها التنهد
وزوجةٌ ضئيلةٌ، وهرّةٌ صغيرةٌ في حضنها ترتعد
بعدها تتم إحالته على التقاعد لتنتهي علاقته بالوظيفة وتزداد غزارة إنتاجه الشعري وبالمقابل تبدأ معاناته مع الفقر فيتابع عيشه وحيداً في طرطوس بعيداً عن أهله بعد أن كان تنازل عن أملاكه من قبل، يمارس حياته اليومية بنفسه بعد أن ابتعد عنه الجميع في تلك الفترة، سرقت مخطوطاته في دمشق فيبكيها قائلاً:
قصتي أنهم أضاعوا وجودي
أملاً وخيبة وعيشاً محولا
سلبوني أنسي وأمني وما ثمّرت
خيراً وما ورثت جميلا
بمشاعر العدمية والخيبة ونظرة فلسفية مختلفة للحياة غادر نديم محمد الحياة في 17 / 1/ 1994، مخلفاً أسئلته وحيرته لدى أحبته وخصومه ليبقى مثار الاهتمام من قبل الطرفين.
بشرى الحكيم