تحقيقاتصحيفة البعث

الإدمان على الأجهزة الذكية بين الإهمال الأسري وضرورات العصر

“هاتي الموبايل.. لحطلك على ماشة والدب”، هكذا حلّت أم يوسف ملل ابنتها البالغة من العمر 4 سنوات، لتقول لنا: “لديّ ثلاثة أطفال: لمار ويوسف ومحمد، يحتاجون الكثير من الاهتمام ويرغبون بتمضية الوقت معي، وأعجز عن تلبية جميع مطالبهم، لذلك لجأت إلى أفلام كرتون لأستطيع أخذ قسط من الراحة أو حتى القيام بواجباتي المنزلية”.
وتشاطرها مها الرأي، فالأعباء على الأم كبيرة جداً، خاصة وأنها تعمل في الفترة الصباحية، وتعترف أنها غير مقتنعة بتصرفها مع طفلها حسن 3 سنوات، ولكن الحالة الاقتصادية السيئة لعائلتها أجبرتها على العمل، وتؤكد لنا أنها تعود متعبة ولديها الكثير من الواجبات للقيام بها داخل المنزل، فتضطر أن تدع ابنها يشاهد أفلام كرتون لأكثر من ساعة أحياناً، وتشعر بالذنب كون طفلها الوحيد يعاني من تأخر بالنطق وأوصاها الدكتور المعالج التكلم معه ولكن لا وقت لديها.

النقيض
أم مقداد أم لثلاثة أطفال، تؤكد أنها تخصّص كامل وقتها لأطفالها، ولا تستخدم هاتفها إلا للحالات الضرورية وتفضّل القيام بالأنشطة التفاعلية معهم، وقصّ الحكايات لهم، أو الخروج إلى الحديقة للعب، وتشير إلى خطورة ترك الطفل أمام شاشة الهاتف الذكي لساعات لما لذلك من تأثير على صحته الجسدية والعقلية.
ومن جهته برّر سامر حرصه على الاهتمام بأطفاله من جميع النواحي، كون مرحلة الطفولة هي الأساس لكل العادات والسلوكيات والأفكار التي سينشأ عليها الطفل، لذلك يخصّص لهم وقتاً لمتابعة أفلام كرتون (ساعة يومياً)، ويؤكد ضرورة متابعة الطفل وتنشئته على سلوكيات صحيحة لضمان شخصية سوية.

صحياً.. لا حدود

أحدثت التكنولوجيا الحديثة من الهواتف النقالة والآيباد والتلفاز تغييراً جذرياً في حياة الأسرة، فنرى كل فرد من أفراد العائلة ممسكاً هاتفه الشخصي وصانعاً لنفسه عالمه الخاص، بعيداً عن الرقابة الأسرية وخصوصاً الأطفال مما يسبّب لهم العديد من الأمراض، منها مرض ارتعاش اليدين والشعور بالصداع والإجهاد العصبي، كما يزيد استخدام الهاتف الذكي احتمالية الإصابة بأمراض العين وضعف النظر والرؤية الضبابية، هذا ما أكده الدكتور محمد ضياء الحمد اختصاصي أطفال وحديثي الولادة، والذي لفت إلى مخاطر الجلوس لفترات طويلة وبوضعيات غير سليمة أمام شاشة الهاتف، إذ تؤدي إلى انحناء الرأس وتشنجات في الكتفين والعنق، إضافة إلى الكسل والخمول الجسدي والفكري والهذيان الذهني، مشيراً إلى احتمالية الإصابة بالسمنة، وكذلك يتسبّب الوميض المتقطع من شاشة الهاتف بحدوث نوبات الصرع.
وعن عدد الساعات المسموح للطفل استخدام الهاتف الذكي فيها، قال الحمد: توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بعدم استخدام الهاتف الذكي لطفل عمره أقل من سنتين، وساعة يومياً للطفل من 3-5 سنوات وساعتين باليوم من 6-18 سنة، وأشار الحمد إلى ضرورة وجود الأهل مع أطفالهم لتوجيههم بالاستخدام الصحيح لهذه الأجهزة، والعمل على إيجاد بدائل تخفّف من استخدام الأجهزة التكنولوجية.

الثواب والعقاب
أحمد الأصفر (أستاذ في قسم علم الاجتماع) أكد أن ظاهرة إدمان الأطفال على الانترنت، أو أجهزة الهاتف المحمول، واحدة من المشكلات التي يمكن أن تترتب عليها أضرار لاحقة بالنسبة للطفل بالدرجة الأولى، ومن الملاحظ أن هذه التداعيات لا تظهر بين عشية وضحاها، إنما تنمو ببطء شديد وتظهر بعد أن تصبح عصيّة على المعالجة فيما بعد. وأشار الأصفر إلى أن هذا النوع من الإدمان لا يأتي عبثاً، إنما يرتبط بالشروط الاجتماعية والأسرية التي يعيشها الطفل، وعزا أسباب تعلّق الأطفال بالهواتف إلى انشغال الأبوين بالإنترنت أو بهواتفهم المحمولة لغايات ترفيهية تارة، وبعمليات التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء والأقران تارة أخرى، وبات هذا الاستخدام يستحوذ على جزء كبير من الوقت، وخاصة مع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، كالواتس آب والفيس بوك وغيرهما، مما يجعل استخدام الطفل للأجهزة المحمولة نتاجاً لانتشار الظاهرة في المجتمع وبين أفراد الأسرة أكثر من كونه تلبية لحاجات فردية تخصّه فحسب.
وأضاف الأصفر مجموعة حلول للحدّ من الظاهرة، أولها تقليل الأبوين أنفسهم من استخدام الهواتف المحمولة، فلا يمكن وضع حدّ للظاهرة بالنسبة للطفل، في الوقت الذي يمارس فيه الأبوان هذه الظاهرة بقوة، أو على الأقل ممارستها بعيداً عن مشاهدة الطفل لهما، وأيضاً البحث عن ألعاب بسيطة قادرة على جذب الطفل وإشغال تفكيره وتنمية قدراته العقلية، كذلك لجوء الأهل إلى ما يُعرف في العلوم التربوية بمسألة الثواب والعقاب، لتشجيع الطفل على ممارسة هذا النمط من الألعاب، ومنعه من نمط آخر، يساعد في توجيه الطفل توجيهاً سليماً.
وأوضح الأصفر في نهاية حديثه أنه يمكن للأهل المحافظة على قدر من الألعاب الإلكترونية عبر الانترنت والهواتف المحمولة، فبعضها قد يكون مفيداً للغاية، شريطة أن يكون مضبوطاً بالمراقبة الأسرية من جهة، وبزمن محدود لا يصل بالطفل إلى حدّ الإدمان من جهة ثانية، فالتعامل مع الانترنت والهواتف المحمولة ليس مشكلة بحدّ ذاتها، إنما المشكلة في الإدمان على هذا التعامل.

اضطرابات نفسية

يرى الدكتور جلال شربا (استشاري الطب النفسي والعصبي) ضرورة إقناع الأهل والمجتمع بخطورة إدمان الأجهزة الذكية من هواتف محمولة وأجهزة حاسوب على الأطفال والمراهقين، مشدداً على ضرورة توقف الوالدين عن مسايرة أطفالهم وإعطائهم الموبايلات وفتح اليوتيوب لهم، لأن ذلك يؤدي إلى اضطرابات نفسية خطرة ويقود كذلك إلى الانتحار. وأكد شربا أن إلزام الأطفال بالذهاب إلى النوادي الرياضية أو الموسيقية وغيرها والتي تناسب هواياتهم ورغباتهم سيساعد الطفل على الموازنة باستخدامه لهاتفه الذكي، موضحاً أن من واجبات الأبوين تخصيص الوقت الكافي للأبناء والقيام بالأنشطة معاً، مثل خروج العائلة للتنزه في حديقة أو شارع أو أي مكان عام، والتحدث معهم حول ما يرونه وترك حرية التعبير عن انطباعاتهم.
وذكر شربا أن الأهل هم قدوة للأبناء، لذلك عليهم اتباع سلوك متنوّع في الحياة من الرياضة والمطالعة والتواصل الاجتماعي مع الأصدقاء والأقارب ليشكل ذلك فضاء أوسع للأطفال.
واختتم شربا حديثه بضرورة التعامل بحزم واتخاذ القرار المناسب للطفل، وأن على الأم والأب الاتفاق التام وتوحيد الرأي حول هذا الموضوع، وهي أكبر مشكلة نواجهها عند الحديث مع الأمهات حول هذا الموضوع.

العائلة أولاً
الدكتورة نجاح محرز (اختصاصية في رياض الأطفال وتربية الطفل) لفتت إلى ضرورة عدم ترك الطفل وحيداً والبحث عن بدائل مفيدة له غير الهاتف الذكي، كمشاركته في أنشطة اجتماعية ورياضية وثقافية. وأكدت محرز على ضرورة مشاركة الأبوين للطفل حتى بما يخصّ الهاتف الذكي، إذ يجب عليهم مراقبة الألعاب الإلكترونية ومعرفة محتواها، واختيار الألعاب المفيدة التي تحفزه على الإبداع.
وأضافت: إن الاستخدام المفرط للهاتف الذكي يغيّر سلوك الطفل ويجعله عدوانياً، وربما يدفعه للسرقة للحصول على هاتف أحدث. وفي السياق نفسه نوهت محرز بمجموعة نقاط تفيد الأهل عند تعاملهم مع أطفالهم، أهمها قضاء الطفل وقتاً أطول مع العائلة لتقوية الترابط فيما بينهم، وتشجيعه على ممارسة هواياته مثل الرسم أو الغناء لزيادة مقدرته على التخيّل والإبداع، إضافة إلى تحديد وقت معيّن لاستخدام الهاتف الذكي والالتزام به، وتفعيل برنامج مراقبة لمعرفة ما ينتقيه الطفل وما يتابعه.

يارا شاهين