دراساتصحيفة البعث

سورية ترد الصاع صاعين

 

ترجمة: هيفاء عليعن ريزوانترناسيونال 12/5/2018

بإلغائه الاتفاق النووي مع إيران، منح ترامب “إسرائيل” الفرصة لشنّ حرب أوسع على سورية، ولعلّ تهيئة “إسرائيل” لهذا الوضع آل مسبقاً إلى النتيجة التالية: إن الأزمة التي خلّفتها الإدارة الأمريكية حول الاتفاق النووي إنما يمكن استغلالها من قبل “إسرائيل” لتصفية وتسوية بعض القضايا العاجلة بالنسبة لها. إذ تدّعي الحكومة “الإسرائيلية” أن الدعم الإيراني لسورية يهدّد أمنها مباشرة. وهذا الظن خاطئ بالتأكيد، ذلك أن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” نتنياهو، يستخدم مصطلح “التهديد الإيراني” كفزّاعة لتحويل الانتباه عن قضايا أخرى كملفات الفساد التي تلاحقه وتهدّد مستقبله السياسي.
خلال الأعوام الأخيرة، هاجمت “إسرائيل” مواقع للجيش العربي السوري أكثر من 100 مرة، لدعم التنظيمات الإرهابية الموالية “للقاعدة”، حينها، لم ترد سورية بسبب انشغالها بمحاربة الغزو التكفيري للبلاد. في نيسان الماضي، رفعت إسرائيل سقف المزايدات باستهدافها مطار” تي فور” وسط سورية، والذي انطلاقاً منه تساند القوات الروسية والإيرانية الحكومة السورية في محاربة الإرهاب. الدفاعات الجوية السورية أسقطت مقاتلة إسرائيلية “إف 16” في ردّها على ذلك الهجوم. حينها ثمّة محلّلون تحدثوا عن إعادة توازن جديد سيرتسم عقب إسقاط الطائرة الحربية “الإسرائيلية” من قبل الدفاعات الجوية السورية، ومع ذلك واصلت “إسرائيل” استفزازاتها.
عقب إعلان ترامب إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، شنّت “إسرائيل” هجوماً جديداً على سورية وأطلقت ضربات على ما زعمت أنها صواريخ إيرانية تستهدف “إسرائيل”، وأصابت الضربة مستودعاً للجيش السوري و أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا، حتى أن وسائل الإعلام “الإسرائيلية” عانت في إيجاد تبريرات وأعذار لهذا الهجوم اللا شرعي.
وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي بوتين طلب من نتنياهو التوقف عن استفزازاته ضد سورية، إلا أنه لم يسمع وتجاهل الطلب وذلك أثناء زيارته لموسكو، وهاهو مرة أخرى يصدر أوامره بضرب مواقع عسكرية سورية ليل الأربعاء، في القنيطرة، وهذه المرة قامت الدفاعات الجوية السورية بالرد وأطلقت أكثر من 40 صاروخاً على مواقع عسكرية “إسرائيلية” في الجولان السوري المحتل وأصابت عدة أهداف عسكرية كبيرة، ومن ثم صعّدت “إسرائيل” الهجوم ووجهت 70 ضربة على مواقع سورية. وقد أظهرت صور ومقاطع فيديو بثها التلفزيون السوري أن الدفاع الجوي السوري اعترض معظم الصواريخ “الإسرائيلية” وأسقطها قبل بلوغها الأهداف.
ها هو وزير الحرب الاسرائيلي، افيغدور ليبرمان، يعلن أنه لم يسقط أي صاروخ سوري على مواقع عسكرية “إسرائيلية”، لكن إعلان النجاح المزعوم يعني أن “إسرائيل” لا تريد المضي أبعد من ذلك: “آمل أن نكون قد أنهينا هذه الحلقة وأن يكون الجميع فهم رسالتنا” حسب زعمه، مضيفاً: إن “إسرائيل” لا تريد التصعيد، لكننا لن ندع أحداً يهاجمنا أو يبني بنى تحتية لمهاجمتنا مستقبلاً. هذا التباهي والتعظيم بنجاح “إسرائيلي” كاذب إنّما يذكّر بحالات أخرى مماثلة. ففي اليوم الثاني من العدوان “الإسرائيلي” على جنوب لبنان عام 2006، تفاخرت الحكومة “الإسرائيلية” بتدمير كل الصواريخ البعيدة المدى والمحمولة لدى حزب الله خلال عملية عسكرية استمرت 34 دقيقة فقط، ولكن أكثر من 100 صاروخ لبناني سقطت على “إسرائيل”، و”تل أبيب” بعيداً عن الحدود اللبنانية. وبعد 31 يوماً من العدوان طلبت “إسرائيل” السلام، وأخفق عدوانها على جنوب لبنان، و ضربتها الناجحة على الصواريخ البعيدة المدى لم تُصب إلا مواقع خالية من المواقع العسكرية.
والضربة “الإسرائيلية” على سورية هي الأخرى أخفقت وفشلت فشلاً ذريعاً، مثلما فشلت على جنوب لبنان قبل 12 عاماً. وسورية ستستمر في الردّ على الهجمات “الإسرائيلية” ولن تسكت بعد الآن. هذه المرة، حدّدت ضرباتها على المواقع “الإسرائيلية” في مرتفعات الجولان المحتلة، وأجبرت المواطنين “الإسرائيليين” على الهروب إلى الملاجئ، وفي المرة القادمة قد تُجبر نصف سكان “إسرائيل” على الاختباء في ملاجئ تحت الأرض، فكم من الوقت بوسع “إسرائيل” تحّمل هذا الوضع؟
فبعد الفشل الذريع لكل المحاولات الغربية الرامية إلى تغيير نظام الحكم في سورية من خلال الحرب بالوكالة بواسطة التنظيمات الإرهابية المساعدة التي أعلنت عن ظهور التيار الإسلامي الراديكالي، وتلقت كل أشكال الدعم من استخبارات الناتو وأثرياء ممالك النفط و”إسرائيل”، مضى الرعاة والشركاء الأساسيون للإرهاب في سورية إلى المواجهة المباشرة، إلا أنهم اصطدموا بمحور المقاومة دمشق- طهران-حزب الله.
حقيقةً لم يكن تطور النزاع في هذه المنطقة متوقعاً فقط وإنما منتظراً أيضاً، حيث أثبت أن “إسرائيل” هي الشريك الحقيقي لما يُسمّى “الربيع العربي” الذي اجتاح المنطقة، لضمان هيمنتها وإضعاف محيطها القريب والبعيد، وإن الإسرائيليين هم المحاربون الأساسيون في الحرب السورية، هذه الحرب الشرسة التي حاولت البروباغندا العربية والأطلسية المقرّبة من الصهيونية تقديمها على أنها حرب أهلية بين الحكومة السورية ومعارضة ذات تطلعات ديمقراطية ليبرالية.
وخلافاً للوجود الروسي والإيراني العسكري الشرعي في سورية، الذي جاء بناءً على طلب الحكومة السورية، فإن وجود قوات أمريكية، بريطانية، وفرنسية ، وإماراتية وتركية غير شرعي وغير قانوني ، ويكشف النقاب عن محاولة التغطية على انهيار التنظيمات الإرهابية أمام انتصارات الجيش السوري في ميادين المعارك من خلال تشكيل وحدات مسلحة جديدة ذات توجه يتفق مع توجه “إسرائيل”. زد على ذلك أن السعودية والبحرين والإمارات وقطر تصفق وتهلّل للهجمات الإسرائيلية ضد محور المقاومة الذي لم يقل كلمته الأخيرة بعد. فبعد أن استخدمت صواريخ “توماهوك” المجنّحة، هاهي القوات الصهيونية تستخدم الصواريخ البالستية التكتيكية من طراز
“بيرتشينغ” وصواريخ جو- أرض من نوع جديد وتمضي إلى المواجهة المباشرة. ولكن عندما تكون سورية قادرة على الردّ على الضربات “الإسرائيلية” بعد سبعة أعوام من الحرب ومن المعاناة، فذلك يعني رسم خط جديد في الرمال، وإذا أرادت “إسرائيل” حرباً على نطاق واسع فلتكن. ذلك أن التدمير الهائل الذي سيطال دول الشرق الأوسط المعنية ومن ضمنها “إسرائيل”، سيعيدها 100 عام إلى الوراء. أما سورية ولبنان وإيران فستبقى وتنتصر، ومنذ 100 عام لم يكن هناك أي وجود لـ”إسرائيل”.