“لأنني أحبك”.. رغم الفقدان الحياة مستمرة
“لأنني أحبك.. لن أسمح لليأس أن يسرق الحياة منك
لأنني أحبك.. سأنفض غبار الألم عنك
لأنني أحبك.. سأنتظرك كما انتظرتني
لأنني أحبك.. ولأنك مرآتي لن أسمح لك أن ترتكب نفس أخطائي لأنني أحبك.. ولأنك وحيدي سأفعل ما بوسعي لإنقاذك”.
“لأنني أحبك”.. رواية للكاتب غيوم ميسو نرى من خلالها الحياة بكل جوانبها آلامها وأحزانها مع شخصيات كتبت بعناية فائقة وتتمتع برهافة مثيرة، وبإنسانية تنشد إليها الوجدان، عند ميسو ترتقي المشاعر إلى طبقاتها العليا مع مارك، نيكول، كونور، إيفي وأليسون.. هي شخصيات نتعلم منها الكثير.
غيوم ميسو كاتب فرنسي اشتهر بأسلوبه الشيق يبدأ إحدى أشهر وأجمل روايته “لأنني أحبك” برسالة مفادها: “لكي توفر لهم الدهشة لا تخبر أصدقاؤك بما حصل في نهاية هذا الكتاب”، وفي الحقيقة كان على حق في ما كتبه لأن النهاية كانت غير متوقعة، فالرواية يغلب عليها الطابع الإنساني منذ بدايتها باختفاء الطفلة “ليلى” البالغة من العمر خمس سنوات في مركز تجاري ضخم في لوس أنجلس، وباختفائها يكون مصير الوالدان المكسوران الانفصال وإنهاء علاقتهما (“نيكول” عازفة الكمان المشهورة و”مارك” الطبيب النفسي الناجح الذي انعزل عن العالم وترك صديق عمره “كونور” -طبيب نفسي بارع أيضاً- وأصبح متشرداً). بعد خمس سنوات تم العثور على الطفلة “ليلى” في المكان نفسه الذي اختفت فيه عن الأنظار، “إنها حية ترزق” لكنها غارقة في حالة غريبة من الخرَس والسكوت، وبعد فرحة اللقاء تتوالى الأسئلة, أين كانت ليلى كل تلك السنوات؟ مع من؟ وبالأخص, لماذا عادت؟.
في سياق آخر تتحدث الرواية عن “أيفي” الفتاة الفقيرة والوحيدة والتي لا هدف لها سوى الانتقام ممن ولم ستنتقم؟، وعن “أليسون” الوريثة الوحيدة لملياردير أمريكي شهير وهي المعروفة بطيشها وإدمانها وتصرفاتها الغريبة ولكنها تخفي بداخلها جرحاً عميقاً لا تقوى على تجاوزه.
يعتمد ميسو في السرد على أسلوب التشويق من خلال رحلة على متن طائرة ستغير حياة هذه الشخصيات كافة، رحلة يبرهن لنا عبرها أن الوجع لا يفرّق بين غني وفقير، وبين صغير وكبير، حيث يتنقل السرد في الزمن ما بين الماضي والحاضر, ليلقي الضوء على خلفيات الشخصيات التاريخية، ويؤجل الكشف إلى نهاية الرواية التي ستعبر عن الفقد والحزن الذي يتبعه، وكيف أن الإنسان رغم تجاوزه لمحن كثيرة في حياته إلا أنه في لحظة من اللحظات لا يستطيع تجاوز فقدان شخص قريب منه، وتقف حياته تماماً ويخسر كل ما راكمه في الحياة ويعيش أسير لحظات الحزن والألم، وهذا كله لن يظهر إلا في نهاية هذه الرحلة الحاملة لعمق المعاني الإنسانية، والتي يبعث من خلالها الكاتب رسائل مهمة أهمها أن العفو والغفران يمثلان الخطوة الأولى في سبيل تجاوز الجراح. يقدم ميسو لنا هنا أفضل رواياته والأكثر إثارة وحميمية وإنسانية، وهو ككاتب يكاد لا يظهر إلا في العناوين الخاصة بأقسام الرواية، حيث يمكن الشعور بوجوده خفيفاً، فهو لا يترك للقارئ فرصة الاستيعاب، يظل يلاحقه بأحداث مثيرة وشيقة، بالإضافة إلى ظهوره في اقتباسات بداية كل فصل حيث يضع الراوي اقتباسات لـ”إرنست همنغواي، فرويد، بيورك، جبران خليل جبران، كريستيان بوبين، إميلي ديكنسون، جاك بريل، هنري لابوريت، وينولد جومروفينز، ستيفن كينغ، مارسيل بروست، مانياس مالزيو، ميخائيل كونلي، غوستاف فلوبير، أندريه مالرو، جون لينون، جوزيف كونراد، بوريس سيريلنك”, كلها تدور حول الحب والموت والحياة.
ولد غيوم ميسو عام 1974، في فرنسا، تخرج من جامعة “نيس صوفيا انتيبوليس” ويعد واحداً من أشهر الروائيين الفرنسيين, وتوضع رواياته في قوائم أفضل المبيعات، رحل ميسو إلى أميركا وهو في التاسعة عشرة من عمره, عاش في ولاية نيويورك عدة أشهر, وكان يبيع الآيس كريم ليستطيع أن يعيش هناك، ثم عاد إلى فرنسا. صدرت أولى رواياته في 2001 ولم تحقق النجاح المطلوب, ثم توالت رواياته الناجحة حتى صار من أشهر مؤلفي فرنسا، ترجمت بعض رواياته إلى أكثر من عشرين لغة ، ومن أعماله “وبعد” و”أنقذني” و”فتاة من ورق”، و”نداء الملاك” و”بعد سبع سنوات” و”غداً”.
جمان بركات