بعد إسقاط صواريخ العدو الصهيوني أرض سـوريــة لــم تــعـد مـسـتبــاحـــة
علي عبود
لم يتوقف رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو عن التهديد والوعيد لمحور المقاومة، وقد ترجم تهديداته باعتداءات سافرة في لبنان وسورية وغزة والضفة الغربية، وزاد نتنياهو من لهجة التهديد والوعيد وما ينتظر محور المقاومة من عظائم الأمور إذا ما أقدمت على تهديد أمن “إسرائيل” بإعلانه باستعلاء وغطرسة: لا تختبرونا، أما السؤال الذي حيّر الكثير من المراقبين والمحللين فهو: هل حصل نتنياهو على ضوء أخضر للقيام باعتداءات على سورية متى أراد وأينما أراد؟!.. وسبب هكذا سؤال أن العدو الصهيوني كان يعتدي على سورية بعد كل زيارة لنتنياهو لروسيا، ما يوحي أنه كان يطلب الإذن من الرئيس فلاديمير بوتين بشن غارات عدوانية على مواقع سورية، أو أنه يعطي “علماً وخبراً” للرئيس الروسي بما سيفعله في سورية قريباً، فهل هذا الإيحاء أو الانطباع صحيح؟!.
حسناً.. لنراجع تسلسل الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية المزدحمة بالتطورات الخطيرة:
– الأحد 28/1/2018: إسرائيل تهدد لبنان وسورية بذريعة تصاعد النفوذ الإيراني والتغاضي عن أنشطة حزب الله.
– الاثنين 29/1/2018: نتنياهو يتوجه بشكل عاجل إلى موسكو.
– السبت 3/2/2018: بعد أربعة أيام من زيارة نتنياهو لروسيا، وزارة الدفاع الروسية تعلن عن إسقاط طائرة حربية روسية في إدلب من طراز “سو 25″، ومقتل الطيار أثناء مواجهة مع الإرهابيين بصاروخ أمريكي محمول على الكتف لا يمكن استخدامه بلا إذن من واشنطن!.
– الثلاثاء 6/2/2018: نتنياهو يزور هضبة الجولان المحتلة على رأس أعضاء من الحكومة الأمنية المصغرة ويطلق تحذيراً لـ “أعداء إسرائيل”: لاتختبرونا!.
– فجر الأربعاء 7/2/2018: العدو يترجم تهديداته بعدوان على أحد المواقع العسكرية في ريف دمشق تصدت له الدفاعات الجوية ودمرت معظم الصواريخ التي أطلقها.
– الخميس 8/2/2018: قوات “التحالف الأمريكي” تستهدف أكثر من 100 من قوات شعبية تقاتل تنظيم “داعش” الإرهابي ومجموعات “قسد” بين قريتي خشام والطابية بريف دير الزور الشمالي الشرقي.
– السبت 10/2/2018: العدو الصهيوني يشن عدواناً جديداً على مواقع سورية والدفاعات الجوية تسقط له طائرة “اف 16” وتصيب أكثر من طائرة.. إلخ.
– الخميس 10/5/2018: أطلقت “إسرائيل” أكثر من 70 صاروخاً على مواقع عسكرية في القنيطرة وجنوب دمشق تصدت لها المضادات السورية وأسقطت معظمها.
ماذا نستنتج من هذا التسلسل للأحداث؟.
إنه سيناريو أمريكي لاستهداف روسيا ومحور المقاومة معاً منعاً لأية تسوية سياسية للأزمة السورية، ولدعم الإرهابيين بالسلاح الجوي الأمريكي و”الإسرائيلي” لإطالة أمد الحرب أكثر فأكثر طالما أن الدولة السورية لم تسقط، وطالما أن محور المقاومة ازداد قوة وخطراً على “إسرائيل” وحلفاء أمريكا في المنطقة بقيادة السعودية.
لو لم تغير سورية قواعد الاشتباك لم يكن أحد ليتصور إلى أي مدى كانت ستصل إليه الغطرسة “الإسرائيلية”، والتهديدات الأمريكية بأنها ستبقى تحتل أجزاء من سورية حتى إسقاط “النظام” وتقسيم سورية إلى كانتونات!.
قبل أيام من الاعتداء “الإسرائيلي” الأخير على سورية تحدى نتنياهو من هضبة الجولان محور المقاومة، وبغطرسة القوة.. أراد نتنياهو اختبار التحدي فشن غارة جوية على مواقع سورية، لكنه فوجئ هذه المرة بأن سورية تحدته وأسقطت معظم صواريخه، وأرسل طائرات أخرى لتطلق من الأجواء اللبنانية عدة صواريخ، ففوجئ مرة جديدة بأن المضادات السورية أسقطت أكثر من 80% من الصواريخ، عندها لم يعرف ماذا يفعل سوى القول إنه يسعى إلى التهدئة.
كان المشهد حسب العسكريين والأمنيين يُختصر بالتالي: إذا تم إسقاط الصواريخ بمنظومات قديمة، ماذا سيحصل لسلاح الجو الصهيوني عند اندلاع حرب شاملة يستخدم محور المقاومة خلالها منظوماته الدفاعية والهجومية الحديثة؟.
نعم الصواريخ السورية كانت كافية لدفع “الإسرائيليين” بهلع إلى الملاجئ، وليكتشفوا بأنه لا توجد قبة حديدية في العالم يمكن أن تعترض جميع الصواريخ التي ستنهمر عليهم إذا ما غامر قادتهم بشن حرب على أحد محور المقاومة.
هل كانت تراهن أمريكا بعد إسقاط الإرهابيين لطائرة روسية بصواريخ أمريكية في إدلب على الصمت الروسي ومنع موسكو لدمشق من الرد على الاعتداءات الإسرائيلية؟.
إن الخيارات أمام الرؤوس الحامية في فلسطين المحتلة الآن باتت محدودة جداً، بل هي ثلاثة خيارات: التوقف عن الاعتداءات، وهذا مخالف للطبيعة العدوانية للعدو، أو الاستمرار بالاعتداءات، مع الحسبان أنها ستتلقى الرد الحاسم والرادع في كل اعتداء، وهذا أمر لا يمكن أن يتحمّله جيش يزعم أنه الأقوى في المنطقة، أو الذهاب إلى حرب شاملة قد تكون الأخيرة في المنطقة وتلحق الهزيمة الشاملة بـ “إسرائيل”، مع الحسبان بتسببها بحرب عالمية ثالثة، وهو خيار نصح بوتين نتنياهو بعدم الأخذ به عندما قال له: قد تبدأ الحرب لكنك لن تستطيع ربحها أو إنهاءها!!.
لهذا يرى الكثيرون أن عقلية الاستعلاء “الإسرائيلية” والثقة الزائدة في النفس مع تشجيع رئيس أمريكي أحمق كـ دونالد ترامب قد تجرها إلى مواقف مجنونة، ولكن ما من محلل استراتيجي زعم أن إسرائيل قادرة بعد 2006 على استعادة صورتها حتى بحرب مفتوحة!!.
باختصار صورة “إسرائيل” اهتزت أمام مواطنيها ومستوطنيها، وبعد أن تصدعت قدرة الردع “الإسرائيلي” فإن مأزق حكومة العدو يتلخص بالآتي: كيف سنسترد الردع؟ وهو سؤال مقلق، لأن المشهد انقلب جذرياً حسب المحللين الإسرائيليين: دخلنا مرحلة لا يستطيع فيها سلاح الجو العمل بحرية في سورية.. هذا السلاح تلقى صفعة قوية!.
وبما أن الحرب بالنسبة لـ “إسرائيل” كان هدفها دائماً تحقيق نتائج سياسية وألا تجري على أرض “إسرائيلية”، فإن هذا الأمر لم يعد ممكناً ولا متاحاً، وهذا يعني أن أي حرب تشنها “إسرائيل” هي حرب عبثية مصيرها الهزيمة، وهذا ما يثير جنون قادة العدو لأنهم فقدوا القدرة والإمكانية لشن أية حرب سريعة وحاسمة تلحق بالعدو هزيمة ساحقة!.
بل ما يرعب “إسرائيل” كيف يمكن لسورية التي تتعرّض لحرب كونية منذ سبع سنوات أن تسقط طائرات وصواريخ داخل الأراضي المحتلة؟ والأكثر رعباً تصدع هيبة جيش العدو.. فهل سيبتلع الهزيمة أم سيغامر بحرب غير محسومة؟!.
حقيقة، لم تخف حكومة العدو هدفها، فهي بعد اندحار الإرهابيين في الجنوب السوري، وسيطرة الجيش السوري على معظم المواقع التي كانت تحتلها “جبهة النصرة” ومن يدعمها، كانت تريد من التصعيد العسكري فرض اتفاقية جديدة على سورية شبيهة باتفاقية 1701 في لبنان بضمانة روسية أمريكية، أو العودة إلى اتفاقية فصل القوات المبرمة عام 1974، وهي الاتفاقية التي خرقتها “إسرائيل” بطردها لقوات الأندوف ليحل مكانهم الإرهابيون!.
أما ما يتعلق بالسؤال: هل حصل نتنياهو على ضوء أخضر روسي للاعتداء على سورية، أم لم يحصل على هذا الضوء، وأراد تحدي روسيا وتهديد جيشها هناك لإثبات أن “إسرائيل” تفعل ما تريد؟!.
إن موسكو ردت على هكذا سؤال مراراً، فهي أدانت دائماً الاعتداءات “الإسرائيلية” والأمريكية على سورية، بل إن وزارة الخارجية الروسية أعلنت بعد الاعتداء الصهيوني الأخير بأن موسكو قلقة من الغارات على سورية وخطر التصعيد حول وداخل مناطق تخفيف التوتر.. إلخ.
أخيراً وبالمختصر المفيد: أرض سورية لم تعد مستباحة، وأي اعتداء صهيوني جديد سيلقى رداً قاسياً وحاسماً وسريعاً، وكما ذكرت صحيفة “هآرتس”، فإن السلطات السورية انتقلت من التهديد إلى التنفيذ!!.