الكلمة الطيبة
إن الكلمة الطيبة ورحيق وردها وشهدها الكلامي وطيب ودّها الإنساني يجعلنا نحتار في ماهية أمرها الجمالي، وطيب نخيلها المشغول بوهج الارتقاء الكلامي ومحاره اللغوي, أو ما يعني قوة التعبير اللساني وتجميل هذه التعابير الكلامية مما يجعلها ذلك المنطوق الذي يُزيّنه بريق الطيبة.
ما أجمل أن يبقى الطيب هو فحوى كلامنا, فحوى لغتنا التي نريد أن نتحدث بها, ونجعلها لغة يومية، أي في علياء ما نبتغي التحدث عنه وما نبتغي التودد إليه, التودد إلى بيارات القول المنتظم، القول الذي يحبّذ السكنى إليه والتمدد عبر مداراته المفتوحة والمضمومة حسب الشارات الكلامية وحالات إعرابها المؤكدة توكيداً.
الكلمة الطيبة أصلها قد تكون في أوج ما يُعبر عن حالاتنا الوجدانية، وفي ما نعتّز به، الكلمة وطيبها قد يثمران شيئا من الاستحسان الإنساني والجمالي, الاستحسان المأمول تواجده من خلال معزوفة الكلام و فضه الجمالي المتحدث عنه فضه اللغوي المستحسن التفضل به من خلال المعنى السامي المتوازن لفظاً قويماً, والمحتكم لغوياً.
إن الكلمة الطيبة وما تفرضه من حضور جذّاب على من يسمعها ويهتم بعشق فن التجاذبات الكلامية, يهتم بما ورائيات الحرف وكل كلمة وبالتالي بمعزوفتها اللغوية قد يتأتى الكلام على أن الكلمة سيف ذو حدّين, شيء لفظي يحتوي معاني عدة حسب ما تسوّغ الحالة أو بالأحرى الحالة التي نفرضها نحن, وصدق ما يصدر عنا, ما يأتي في وارد اللسان لدينا, وفي الصندوق البريدي الوارد من لهجتنا نحن, من صوابية ما نتحدث عنه ومن القاموس الجمالي الذي يجب أن يكون لدى كل منا، وهنا طبعاً لا نعني قاموس المجاملات الكلامية أو الكلام الذي قيمة له والذي يشبه في أحسن وأصدق حالاته فقاعات الصابون, أو المفرقعات النارية فارغة المضمون, فارغة الرنين الباقي، فارغة الإشارات التي تخلو من التعجب والاستفهام في الوقت ذاته وتخلو ربما من برهنة الشيء الذي يرجى قوله وفعله والتمسك به من حيث مدلوله النطقي واللفظي مدلوله الذي يجب أن يحتوي على مفهوم التهذيب اللغوي أولاً، والتهذيب الوجداني أي العزف على قيثارة الروح، وهنا نعني العزف الجميل الذي لا تشوبه شوائب، العزف على لحن الكلمة, على تجميله بأسلوبية الإلقاء، أسلوبية بث مفهوم المحبة, بث الخير وعناوينه من خلال الكلام وطيبه ومعرفتنا الأكيدة كيف نستخبر عن علوم الكلمة ومؤثراتها التي يمكن أن تلقى على المتلقي, على من يسمعها، وهنا لا بد أن نولي الأهمية المثلى لكل ما نتحدث عنه وخاصة في خضم الظروف التي نعيش, وفي خضم الجراحات التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا أصبحت الكلمة الطيبة من أجمل المسكنات على الإطلاق، وأصبحنا نحتاج إلى رحيقٍ من الكلام, رحيقٍ قد يُساهم طيبه في مداوة بعضٍ الجروح وبعضٍ القروح قد يأتيها الكلام الطيب ويكون كالعسل شهده معسول الشفاء.
إن ما نحتاجه هو ثقافة الكلمة الطيبة وفيضٍ من لغاتها القمرية, هذه اللغة التي نحتاج دفئها منها في الشتاء ونحتاجها كنسيمٍ يمرُّ على وجوهنا في الصيف، نحتاج بعض الأبجدية وبعضٍ من نورها, من قناديل القاموس الكلامي الذي يجب أن تهذبه أحرف الطيبة ودلالات كلماتها الشمسيّة والقمريّة على حد سواء.
منال محمد يوسف