ثقافةصحيفة البعث

هيفا وهبي “+16” في لعنة كارما

تطلّ علينا الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي في مسلسل مصري بعنوان “لعنة كارما” ومن حيث القصّة، يعتبر الكثيرون أن وهبي التي أتقنت لعب دور المحتالة في العديد من الأعمال السابقة، تكرّر نفسها ولا تخرج في شخصيتها الجديدة عن نمطيّة أعمالها المصريّة التي قدمتها خلال الأعوام الماضية، ولكن هذا لا يعني عدم براعتها وإتقانها للشخصيّة. أما من حيث النواحي الفنية، فالمسلسل يضم نجمة جماهيرية تغطي على إخفاقات الآخرين، من ممثلين وفنيين.
ونحن هنا لسنا بوارد نقد العمل، بل بالطريقة التي تعاملت معها القناة التي تعرضه، فقد صنفته “+16” أي أن فيه مشاهد تخدش الحياء أكثر من غيره ومن الطبيعي أن يكون كذلك فأزياء وهبي لوحدها كفيلة بهذا التصنيف، لكن المفاجئ أن القناة نفسها لم تصنف أي عمل آخر يعرض فيها بنفس الفئة، على الرغم من احتوائه مشاهد وموضوعات أكثر جرأة من لعنة كارما، وبدلاً من ذلك اخترعت تصنيفاً جديداً هو “+15” لعملين فيما صنفت باقي الأعمال المعروضة “+12”.
تَخضع الإنتاجات المرئية، في كلّ دول العالم، على اختلافها وتنوّع وسائل بثّها إلى تصنيفات تنوّه بضرورة الرقابة الأبويّة، أو عن العمر الأنسب لمشاهدة هذا المحتوى، وهذا طبعاً يدلّ على حرفيّة في التعامل مع المحتوى، فهو وقبل كل شيء يحدّد الشريحة المستهدفة وبالتالي يعطي كاتب العمل ومخرجه مساحة كافية للإحاطة بحريّة بكافة تفاصيل العمل المهمة، وانتقال هذه الظاهرة الجيّدة إلى شاشاتنا العربيّة أمر سليم وصحيّ، ولو متأخرة.
سابقاً كان المتتبع للأعمال الدرامية العربية على الشبكة العنكبوتيّة لا بدّ وأن يلحظ وجود أكثر من نسخة لنفس الحلقة من نفس المسلسل بين النت والتلفاز، وأن هناك قنوات تقوم بقص المشاهد أو الكلمات غير اللائقة من الحلقات قبل عرضها، في حين تقوم قنوات أخرى بعرض الحلقات كاملة، وخاصة في المسلسلات الجماهيرية. وعادةً ما تكون هذه التصنيفات عبارة عن تنويه قبل بدء عرض المحتوى، كحالة القنوات اللبنانية التي “تنصح بوجود أهل” (وهي على هذا الحال منذ 4 سنوات) أو تكتب في إحدى زوايا الشاشة رقماً يدلّ على الفئة العمرية الأنسب لمتابعة المحتوى، وهذا ما تفعله القنوات المغربية والمصريّة أسوةً بالقنوات الأجنبيّة (لم تبدأ القنوات المصرية بهذا إلّا العام الماضي، بينما سبقت القنوات المغاربيّة الجميع ومنذ سنوات). فما فائدة هذه الأرقام وماذا تعني؟
حتى لا نطيل بشرح التصنيفات العمريّة، سنوجز قدر الإمكان للتعريف عنها بشكل عام، أوّل من قام بتحديد هذه التصنيفات هو المجلس البريطاني لتصنيف الأفلام، وتنقسم التصنيفات إلى ست فئات نذكر أشهرها وأكثرها تداولاً في منطقتنا (مع العلم أن المحتوى الذي لا يحوي تصنيفا يعني أنه مناسب لكل أفراد العائلة) “+12” وتعني أن المحتوى لا يناسب من هم تحت هذا العمر وعليه صنفت المسلسلات الكوميدية وبعض المسلسلات الدراميّة لهذا العام بهذه الفئة. ثم “+16” كالأوّل يعني أن المحتوى لا يتناسب مع من تقلّ أعمارهم عن 16، وطبعاً فيها يكون المحتوى أكثر جرأة كحالة مسلسل “لعنة كارما” وفي أكثر الأحيان تقع الأعمال ذات الطابع الأدبي العميق أو السياسي الجريء ضمن هذه الفئة. وأخيراً وأشهرها “+18” وغالباً ما تحوي هذه الأعمال على مشاهد مخلّة بالآداب أو مشاهد عنيفة وقاسية وهذا التصنيف غير موجود على شاشاتنا العربيّة إلّا نادراً وعلى القنوات المغاربيّة أو العربيّة المشفرة بطبيعة الحال، وفي بعض البلدان الغربيّة يستبدلون الأرقام بالألوان الأخضر والأصفر والأحمر.
كالعادة يغيب هذا الأمر عن قنواتنا على اعتبار أن مستوى المحتوى الثقافي والأخلاقي يليق بسمعة الدراما السورية ولا يخدش الحياء، وكأن مواضيع الخيانة والفساد الأخلاقي (صرخة روح مثالاً) أو مشاهد العنف نتيجة محاكاة واقع الحرب على الإرهاب (عناية مشددة مثالاً)، التي تتناولها الدراما في السنوات الأخيرة هي أقل من شقيقاتها العربيّة، وهنا لا نمانع الحجّة التي يصرّح بها القائمون على هذه الأعمال، أنها من نبض الحياة والمجتمع السوري، وإنما نتحدث عن وجوب التنويه للمَشَاهِد داخل المحتوى المعروض احتراماً للجمهور وللقناة العارضة وللعمل ككل.
وإن كان كلّ هذا لا يكفي، فعرض مثل هذه الأعمال التي تصنف “+16” في الدراما الرمضانية على وجه الخصوص، سواءٌ على شاشاتنا- وإن خضعت للتصنيف- أو الشاشات العربية هو أمر سيء نفسياً واجتماعياً، فنحن وإن لم نتطرق إلى وجوب احترام هذا الشهر الفضيل، الذي أضحت شركات الإنتاج العربية تتزاحم لرمي أعمالها فيه، نفضل عدم تناسي ذلك وأخذه في الحسبان، فغياب العين الرقابيّة عن هذا واهتمامها فقط بالأفكار الواردة في العمل، سيزيد من نكبة الأعمال الدرامية السورية.

سامر الخيّر