الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا السياسية بين سورية وفنزويلا
د. مهدي دخل الله
أصبحت فنزويلا ظاهرة نوعية في إطار ما اعتيد على تسميته بالعالم الثالث أو –تخفيفاً- العالم النامي، وهي في تركيزها على الاستقلالية تشبه سورية إلى حد كبير، على الرغم من وجود اختلافات مرتبطة بالموقع الجغرافي لكل من الدولتين.
1- تقع فنزويلا في الجوار المباشر للولايات المتحدة، بينما تقع سورية في منطقة بعيدة عنها. الجغرافيا الطبيعية هنا تفترض أن يكون اهتمام واشنطن بفنزويلا أكبر من اهتمامها بسورية، لكن الجغرافيا السياسية (أو بالأصح الجيوبولتيك) تشير إلى رأي مختلف.
2- الموقع الجيوسياسي لسورية أكثر أهمية بالنسبة للولايات، ذلك لأن سورية تقع في وسط العالم ووسط (الرملاند) القريب جداً من (الهارتلاند) – أي روسيا – التي هي المنافس التقليدي الأول لأمريكا. السيطرة على فنزويلا لا تؤثر على اهتمام واشنطن الأول، وهو تطويق روسيا، إضافة إلى ذلك فإن موقع سورية وما حولها (بلاد الشام والرافدين ومصر وآسيا الصغرى) هو المركز الذي لا يمكن لأية قوة أن تسيطر على العالم دون السيطرة عليه، وهذا ليس له علاقة بالنفط والغاز، لأن روما وفارس والاسكندر المكدوني والفرنجة والصليبيين ونابليون غزوا هذه المنطقة قبل اكتشاف النفط بمئات السنين.
3- هناك بعد نفسي– سياسي وهو أن فنزويلا موجودة في القارة الأمريكية نفسها بمعنى أن أمريكا لا تخاف كثيراً من «تمردها»، فمازالت ثقافة (انعزالية مونرو 1812) تسيطر على طريقة تفكير الأمريكيين. رفع الرئيس الأمريكي مونرو عندها شعار «أمريكا للأمريكيين، ولا نتدخل في أوروبا والعالم القديم». طبعاً شعار أمريكا للأمريكيين كان يعني أن القارتين الأمريكيتين للولايات المتحدة، وفعلاً ساعد مونرو ومن جاء بعده شعوب أمريكا اللاتينية وكندا للتخلص من المستعمرين الأوروبيين بما يخلق فراغاً تملؤه الهيمنة الأمريكية.
ومن الواضح أن ما هو «مقسوم لك» حتى ولو تمرد لاتخاف منه كثيراً، كذلك البعيد الذي يؤدي تمرده إلى ضرب مشروعك في مركزه.
4- لكن هناك مشكلة كبيرة بالنسبة لعلاقة فنزويلا مع الولايات، وهي أن هذه الدولة منتجة للنفط وعضو في أوبك، وبما أن النفط ثروة استراتيجية فإن الجغرافيا الاستراتيجية تعزز اهتمام واشنطن بكراكاس، إذ أن الموضوع يتعلق بالسياسة الدولية للطاقة الاستراتيجية التي تعمل الولايات للهيمنة عليها.
5- وهناك فرق آخر، لكنه رابط بين سورية وفنزويلا. في بلادنا لا توجد أقلية فنزويلية، لكن في فنزويلا توجد جالية سورية مهمة جداً، خاصة في مرغريتا وكراكاس وغيرها، وغالبية هذه الجالية من محافظة السويداء، بل إن نائب الرئيس هناك سوري، واسمه السيد طارق العيسمي، هذا يجعلنا أكثر قرباً من فنزويلا على الرغم من بعدها الجغرافي.
mahdidakhlala@gmail.com