اقتصادصحيفة البعث

دراسة تطرح ضرورة زيادة يوم للعطلة الأسبوعية في شهري تموز وآب.. وإليكم المبررات والموجبات..

مر التطور التاريخي للمجتمعات بكل مراحله وتشكيلاته الاقتصادية الاجتماعية، بتغير في الرؤية المتعلقة بحاجات الإنسان، وبشكل تصاعدي، فمنذ أن كان الغذاء والأمان هما الهاجس لإنسان العصر القديم، تدرج الهاجس ازدياداً إلى متطلبات هامة، مثل  المعرفة والعلم والخبرة والاطمئنان النفسي والراحة الجسدية التالية لأعمال مجهدة، إلى متطلبات أكثر طلباً مثل العلاقات مع الآخرين وإدخال السرور والغبطة إلى المجتمع، من خلال اختراع مناسبات تسمح لأفراد المجتمع بنسيان الهموم النفسية والتخلص من التعب الجسدي، ما يؤدي إلى إضفاء الروح المرحة والتسامح، وبنفس الوقت يعمل على نسيان الآلام النفسية – التي يجب حذفها باستمرار( Delete)  خشية تراكمها بشكل غير صحي، ما قد يوصلنا إلى داء مزمن يصعب الشفاء منه (صحياً واجتماعياً وبمنعكساته الوطنية السلبية)، لأن استمراره يعني زيادة الأحمال والصعاب على الوطن، مطلق وطن..

الكلام أعلاه.. لا يعني أن الدواء يتوفر مجاناً،  كما أن ثمن الدواء وتالياً العلاج، ليس مستحيل التوفر، وهنا تكمن حكمة المدبر ذي الصفتين: الاقتصادي الاجتماعي، في وصوله إلى التقاطع المشترك الأعظم المتناغم مع الثمن والنتيجة.

مناسبة هذا الاستهلال الضروري، دراسة تطرح موجبات زيادة يوم للعطلة الأسبوعية في الصيف، والهدف نقل مجتمعنا لنوع من الرفاهية والارتياح النفسي، وبالتوازي تحقيق وفرات مالية هامة، تقدم بها الخبير الاقتصادي والإداري سامر الحلاق.. دراسة وللحقيقة وجدنا فيها الكثير مما يستحق التجاوب، وأوله ما مر به السوري وتحمله السوري خلال سنوات الحرب عليه، استنزفت فيه جل إمكاناته المادية والجسدية والنفسية، ما يبرر حصوله على يوم عطلة إضافي، كي يعيد التوازن لحياته وعمله، وكذلك ما نعانيه كدولة من بطالة مقنعة وشبه مقنعة، تستدعي آثارها المتشعبة احتساب التكلفة المادية التي يمكن توفيرها في قطاعاتنا الإدارية والمكتبية بقطاعينا العام والخاص، وخاصة في ظل حجم عمل يمكن اختزاله بأربعة أيام كافية بحكم الواقع لإنجاز الأعمال من دون أية انعكاسات سلبية تذكر.

ونلفت إلى أن إضافة يوم عطلة لليومين في الأسبوع، سيكون في القطاع الإداري والمكتبي، مع مراعاة أن مفاصلنا الإدارية العليا (وزير – مدير عام) لا يعطلون بالأصل وإن عطلوا فليوم واحد خلال الأسبوع، هذا ناهيكم عن مراعاة طبيعة الأعمال في كل جهة التي تحتاج لذلك اليوم، ما يعني أنه بالإمكان تطبيق يوم العطلة الثالث خلال شهري تموز وآب فقط من كل عام.

النتيجة المطلوبة

فالنتيجة المطلوبة هي مجتمع تزيد رفاهيته، وتقل سرعة غضب أفراده (حسب علم النفس الاقتصادي)، وتزيد نسبة التسامح لديه، وتقل نسبة المواجهة المتسرعة بين أفراده، فتزيد حيويته باتجاه الإنجاز في العمل والابتكار وروح المبادرة، وبالتالي زيادة الناتج الوطني من خلال الحد من تأثيرات العوامل السلبية وزيادة تأثير العوامل الإيجابية.

فمثلاً إذا كان الثمن هو الاستغناء عن يوم عمل أسبوعياً للوظائف والأعمال ذات الطبيعة الإدارية والمكتبية ولمدة شهرين سنوياً هما تموز وآب، أي 9 أيام خلال الشهرين، بما يحمل هذا الثمن من تراكم عمل ووجوب إنجازه خلال 4 أيام بدل 5 أيام، فهذا يعني وجوب زيادة الإنجاز اليومي (بمعدل 25%) من الزمن المهدور لكي يصبح إنجاز 4 أيام عمل يوازي ويساوي إنجاز 5 أيام عمل.

وإذا كشفت الخبرة الحسية بشكل تراكمي أن الموظف لديه وقت فراغ كبير -إما بسبب قلة موجبات العمل أو بسبب عدم وجود ملفات كثيرة لديه أصلاً– ما يجعل وقته الإنجازي قليلاً، فإن تحميل عبء اليوم الخامس بشكل نسبي إلى الأيام الأربعة لا يزيد من العبء إلا بشكل قليل جداً في بداية الأسبوع بسبب تراكم عمل بسيط جداً من آخر يوم عمل قبل العطلة..

موجبات اقتصادية

وبالمقارنة بين التوفير الاقتصادي الناتج عن إضافة يوم عطلة أسبوعي –لتصبح العطلة الأسبوعية 3 أيام– من تخفيف هدر الطاقة (مكيفات – إنارة – مياه – مواصلات- اتصالات- استهلاك الأجهزة – مصاعد – حواسيب وطابعات..)، إضافة  إلى تخفيف عبء تحميل على الشبكة الهاتفية والعنكبوتية.. إلخ ، فإننا نرى أن موجبات اقتصادية كبرى تجعل إضافة يوم عطلة إضافي للعطلة الأسبوعية خلال شهري تموز وآب، وهي ليست على الحصر، فيها الكثير من وجهات النظر لتعدد نتائجها الإيجابية المتمثلة بتقليل تكلفة المواصلات على الموظف مما يؤدي إلى زيادة مدخراته، إضافة لتوفير تكلفة الأناقة والبروتوكول والظهور. كما أن وجود 3 أيام عطلة متصلة طوال الشهرين، يجعل اقتصاد السياحة الداخلية (المطاعم والشاليهات والفنادق والسيارين) مزدهراص، وهذا بحد ذاته سبب موجب كبير وهام جداً لجعل العطلة 3 أيام، لأن بذلك تكون العطلة أصبحت طويلة (حرزانة) وكافية للقيام بالزيارات والرحلات الترفيهية، وحضور المناسبات كالمهرجانات والحفلات.. إلخ.

ويضاف إلى ذلك أن النهار في شهري تموز وآب يكون طويلاً وفي الذروة، قياساً بالفصول الأخرى من السنة، ما يجعل يوم العطلة الثالث يساوي يوم إنجاز مهم. إلى جانب أن القطاع الإداري والمكتبي فقط هو المقصود بالعطلة، لكي لا تتأثر القطاعات الاقتصادية والتعليمية والقضائية، لأنها قد تستلزم أيام الأسبوع. فهذه الأسباب الموجبة كافية لمرورها بشكل سلس عبر إجراءات سريعة تشفع  لمبررات صدور تشريع تكون العطلة الأسبوعية فيه خلال شهري تموز وآب 3 أيام.

مفاضلة.. وأسباب

كما أن هناك تفاصيل مهمة ومفيدة للمشرِّع لاعتبارها تفضيلاً بين الجيد والأجود، ومنها أنه ونظراً لضيق الوقت الذي يسبق شهر تموز الحالي، فإذا لم يستطع المشرع إقرارها، وتطبيقها هذا العام – طيلة تموز وآب 2018- فالاقتراح هو تطبيقها هذا العام 2018 طيلة شهر آب اللهاب، على أن تكون اعتباراً من العام عام 2019 مطبقة لشهري تموز وآب معاً.

وفي حال المقارنة حول أي يوم يضاف للعطلة، أي السؤال: هل نعتمد اليوم السابق للعطلة – الخميس – فتصبح أيام الخميس والجمعة والسبت ؟ أم نعتمد اليوم اللاحق للعطلة – الأحد – فتصبح العطلة أيام الجمعة والسبت والأحد؟ فنقول: إن الجواب الاقتصادي يميل باتجاه إضافة يوم الأحد لسببين اثنين، أولهما أن يوم الجمعة هو يوم له رمزية دينية اجتماعية لأغلبية المجتمع السوري، ما يجعل هذا اليوم في مجمله يذهب للواجبات الدينية وغيرها من الواجبات الاجتماعية، ويسمح بعده ليومي العطلة أي السبت والأحد ليكونا فعلاً يومي سياحة ورفاهية بشكل كامل.

أما السبب الثاني فهو ينحصر بالعلاقات الاقتصادية مع الدول الأجنبية، حيث إن البريد والمراسلات وخصوصاً المراسلات والتحويلات المصرفية لن تتأثر بالعطلة يوم الأحد، لأن الدول الأجنبية تكون في عطلة يوم الأحد أصلاً، وبالعكس فيما إذا أضيف يوم الخميس للعطلة، حيث سنخسر وقتها يوماً بالنسبة لهذه المراسلات مع الخارج لأن الدول الأجنبية تعمل يوم الخميس وتتوقف يوم الأحد.

وعليه فإن زيادة يوم للعطلة الأسبوعية طيلة شهري تموز وآب سيكون لدينا 9 أيام فقط، ما سيزيد من المناعة الوطنية المتحققة من تقاطع مشترك بمساحة كبيرة، بين الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.. جاعلاً الوعاء الوطني أشد صلابة.

على أمل..

دراسة لعلها مستوفية المبررات والأسباب والشروط، يؤمل وصولها لأصحاب القرار ضمن معيار الفترة الزمنية الكافية.. ليبقى السؤال: هل يمكن تحويلها إلى تشريع لتطبيقه ضمن هذا الصيف أو الصيف المقبل..؟ السوريون يستحقون هذا اليوم ولو مرحلياً على أقل تقدير..

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com