رشيد عساف على جميع الجبهات
من نجوم الثمانينيات الذين اشتغلوا بعموم الدراما المحلية، عندما كانت في حالة نهضتها، ليغيب عن الشاشات فترة زمنية لا بأس بها، وليعد اسمه ببريق أكبر في الألفية الثالثة؛ “رشيد عساف” -1958- الممثل الذي يقف على الجبهات جميعا في أنواع الدراما المحلية، تلك التي جاءت بعد الأزمة، ورغم كون التوجه النقدي في عمومه، ينحو إلى تقييم هذه الصناعة الفنية الإبداعية، على أنها في حالة انحدار فني مستمر، منذ بداية 2011- وهي في الحقيقة انزلقت منزلقا خطرا قبل ذلك بمدة أبعد في التاريخ، فإن فنانا بحجم “عساف” سوف يقوم بحمل هذه الصخرة الثقيلة مرة أخرى، يمضي قدما في ما قضى عمره فيه، وهاهو اليوم، النجم السوري الأول في الأعمال المحلية –ليس الكلام هنا عن الدراما المحلية المهاجرة- وسوف تحقق أعماله التي قدمها خلال الموسمين المنصرمين، بالإضافة لحضوره بقوة في أكثر من مسلسل واحد وفي دور البطولة، هذا الموسم، ستحقق معادلة (الفنان +الجمهور= نجومية دائمة)، وأعمال أكثر وبالتالي مزيدا من الأصباغ للشعر والوجه ليتلاءم حضوره وعمر الشخصية التي يقدمها، ما يعني مزيدا من الجهد والتضحية في سبيل الفن والدراما المحلية، التي عاد كواحد من أهم وألمع نجومها.
يؤخذ على “عساف” تربعه على عرش البطولة الدرامية، في عدة أعمال بالموسم الواحد، خصوصا بعد الهجرة الفنية للكثير من الكوادر من ممثلين وفنيين وغيرهم ممن يعملون في هذه المهنة، ما سوف يؤثر بالتأكيد على الأداء، الذي يجيء تارة مرتفع “الدوز” الفني، وفي تارات أخرى، يظهر الرجل كممثل، يقوم بدوره الوظيفي -خصوصا وأنه من الجيل الذي ربّاه المسرح-؛ ويدلنا أداء شخصية كبير “بيت أبو مالحة” في “الخربة”، على السوية الفنية المرتفعة بالأداء، واشتغاله الأقرب للأداء المباشر والفج في “مذكرات عائلية” يدل على الحالة الثانية؛ إلا أن انتقادا من هذا النوع يمكن مواجهته بالحديث عن عودة لمعان فكرة النجم الأول إلى الساحة الفنية، بعد أن اختفت تماما عن هذه الصناعة الإبداعية، فواحدة من أكثر المشاكل تعنتا تلك التي ساهمت في الانحدار الدرامي الذي نستمر بالحديث عنه، هو غياب شخصية البطل، لتظهر محلها “البطولات الجماعية” وهذا بالتأكيد لا يخدم أي قصة متماسكة وجيدة!.
في “الغريب” “عبد المجيد حيدر-محمد زهير رجب” يعود أيضا عساف هذا الموسم، لتأدية دور من الأدوار التي يعرف تماما مفاتيحها، بهذا التاريخ الفني الحافل والطويل مع العمل الدرامي، إنه الشخصية البطل التي تخلى عنها الجميع، وها هو يقرر أنه سيعمل على مواجهة أقداره المهولة لوحده، في العمل المذكور، ما يجعل مركزية الحكاية تدور حوله حتى في غيابه، ومن شخصيته ستحضر العديد من الخطوط الدرامية الداعمة للبطولة التي يتصدى لها، ليس بداية من عنوان العمل “الغريب” ولا انتهاء بالحكم عليه بالسجن المؤبد ظلما، لكنه سيظلم نفسه وجمهوره في “الواق واق” بأداء متراخ –ربما للفترة الطويلة التي بقيت فيها كاميرا التصوير دائرة بلا فائدة- ولربما من الجيد أن العمل لم يعرض إلا على قناة “لنا” التي تم إنشاؤها لأجل عرض العمل الذي يؤدي فيه “عساف” شخصية “الماريشال”، فالمقارنة ورغم اختلاف الشرط الفني، ستكون سهلة بين الجمهور، وسيعرف أيها تلك الأعمال التي يشتغلها كممثل شبه وحيد من نجوم الأمس، وتلك الأدوار التي يطعمها من قلبه أيضا، عدا عن كون القتال على أكثر من جبهة كما يقال، لا بد وأن يرهق صاحبه قليلا، ما يؤثر كما ذكرنا على الأداء، الذي جاء عند “عساف”، متفاوتا في الأعمال التي اشتغلها، ولعله الآن من النادمين على دوره في “الواق الواق”، الدور الذي جاء انخفاض سوية أدائه فيه، من سوء الورق، لا من فروقات الأداء، فالشخصية إن لم تُرسم صحيحة على الورق، لن تكون كذلك أمام الكاميرا، طبعا هذه مسؤولية المخرج أولا وأخيرا، فلا شيء آخر لديه حقيقة إلا العمل على الممثل، باقي العمليات هناك من يقوم بها –هناك مخرجون لا يحضرون إلى اللوكشن أحيانا، وهذا لم يعد سرا، وهناك أعمال أخرى حلّ فيها ما حلّ بفيلم “بكاء الصراصير” الشهير للكبيران”دريد لحام وناجي جبر”، المشاهد تكتب وقت التصوير!-، ولو كان فيما جنحنا إليه فيه خروج قليل عن الموضوع، لكنه لوضع القارئ بصورة عامة، للحياة كيف تمشي في هذا الوسط، لذا من الطبيعي أن يكون نجوم بحجم عساف، هم من يتم الاعتماد عليهم لرفع السوية الفنية في هذا العمل أو ذاك، دون الأخذ بعين الاعتبار، أن دورا واحدا مرهقا بما فيه الكفاية لممثل مخضرم كعساف، فطبيعي أن نراه أيضا في الغريب، بأداء متفاوت يميل للخفوت أكثر من ميله للارتقاء، وهذا التعب، وهو أمر مفهوم وانعكاساته أيضا سيكون لها مردودها السلبي على الرجل نفسه صحيا وفنيا، والسؤال الذي يمكن طرحه: لماذا لا يقوم هذا النجم بعمل درامي تلفزيوني واحد في الموسم أسوة بغيره من النجوم الذين لا يقل أهمية عنهم- يضع فيه كل طاقته الفنية، وليأخذ الأجر المناسب، الذي يبقيه من النجوم الحاضرين بقوة في الدراما المحلية، باعتباره على الأقل من النجوم الذين عادوا للعمل في البلاد وبهمة لا تتوانى، في الوقت الذي “فركها” الكثير من زملائه ليكونوا ممثلين أيضا، ولكن لشاشات ثانية لسنا كجمهور محلي معنيون بها.
تمّام علي بركات