وأخيراً تم الإمضاء على نشر إحصاءات المكتب المركزي للإحصاء
من المعتاد أن يقال قد جرى كذا وكذا لأمر أراده الله، إنما نحن كنا أمام الأمر الذي أراده صاحب القرار منذ عام /2012/، والذي تم بموجبه منع المكتب المركزي للإحصاء من نشر إحصاءاته..! تلك الإحصاءات العديدة التي اعتاد أن ينفذها المكتب كل عام، والتي هي بمثابة مادة الخبز اليومي الذي يحتاجه أولي الأمر، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ما أورده لي أحد المعنيين والخبيرين بأهمية الرقم الإحصائي ذات مرة بأن بعض رؤساء مجلس الوزراء في الدول المتقدمة يتعمدون عقد جلسة صباحية كل يوم مع رئيس الجهاز المركزي للإحصاء، كي يضعوهم بصورة آخر الأرقام التي تظهر الوضع الاقتصادي في البلاد.
في ضوء القرار المذكور كانت المجموعة الإحصائية لعام /2011/ هي آخر مجموعة أصدرها المكتب، ومكتبته خالية من مجموعات الأعوام التالية، فمنذ عام /2012/ توقف المكتب عن إصدار مجموعته الإحصائية السنوية، التي اعتاد أن يصدرها كل عام، منذ إحداثه عام /1968/، والتي تتضمن فصولها أرقاماً إحصائية تفصيلية عن القطر وحسب كل محافظة عن عام المجموعة، للأحوال الطبيعية والسكان والمؤشرات الديمغرافية والقوة البشرية وقوة العمل، والزراعة والصناعة والبناء والتشييد والنقل والمواصلات، والتجارة الخارجية والأسعار والتجارة الداخلية، والتربية والتعليم العالي والصحة والقضاء، والسياحة والثقافة والمالية والمصارف والمنظمات والنقابات والجمعيات الأهلية، والمنشآت الاقتصادية والاجتماعية، وكثير من الفصول تتضمن أرقاماً إجمالية عن القطر لخمس سنوات سابقة، وجميع أرقامها مستقاة من الإدارات الرسمية، أو مستخلصة من نتائج عشرات المسوح الاجتماعية والاقتصادية، التي يجريها المكتب سنوياً كل عام، وبعض المسوح كانت تتم أكثر من مرة ضمن العام الواحد، كما توقف المكتب عن إصدار عشرات النشرات الإحصائية العرضية والدورية التي اعتاد نشرها كل عام، عن مختلف النواحي الاقتصادية والسكانية والاجتماعية، أكان ذلك نتيجة مراسلاته مع الجهات العامة أم نتيجة مسوحه الإحصائية الميدانية التي تنفذها كوادره ذاتياً، أو بالتنسيق والتعاون مع بعض الجهات الرسمية والمنظماتية والدولية.
مدعاة للسرور أن المكتب المركزي للإحصاء، لم يعزف عن أداء مهامه، بل استمر في تنفيذها وإعداد إحصاءاته المعتادة كل عام، وكان يبسطها على طاولته أمام طالبيها من الجهات الرسمية والباحثين والدارسين ويحتفظ بها لديه، آخذاً في الحسبان مسؤوليته اللاحقة في نشرها بعد حين، وحيث أنه ما من شدة تدوم، فقد حان ذلك، إذ إن اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء قد تداركت حالة المنع السابقة التي عانى منها المكتب، وأوصت مؤخراً بالسماح له بنشر المجموعات الإحصائية المعدة من قبله، ونشر نتائج المسوح التي أجريت منذ عام /2012/ حتى عام /2017/، إضافة إلى السماح بنشر المسوح الإحصائية التي ينفذها المكتب ضمن خطته السنوية، أو لصالح الوزارات والجهات العامة في الدولة، واعتبار المسوح التي ينفذها المكتب من الأعمال المتممة للتعداد، مع تشريع منح تعويض مجزٍ للمشاركين في تنفيذ المسوح لقاء الجهد المضني الذي يبذلونه.
إذ كان من المتوجب أن يتم التعداد العام للمساكن والسكان والمنشآت والتعداد الزراعي عام /2014/ كالمعتاد بعد مضي عشر سنوات على التعداد السابق الذي تم عام /2004/ ولكن الحالة الأمنية التي شهدتها البلاد نتيجة الحرب الظالمة، وقفت حائلاً أمام تنفيذ التعداد المذكور، والأمل معقود على أن تصدر اللجنة الاقتصادية لاحقاً توصياتها بتنفيذ التعداد، إثر تحرير البلاد من رجس الأوغاد.
مشكورة اللجنة الاقتصادية على قرارها الأخير، وحبذا ألا يغيب عن بال أولي الأمر أن المكتب المركزي للإحصاء حاجة وطنية، إذ لا تخطيط بلا إحصاء، وبالتالي من المتوجب إيلاؤه المزيد من الأهمية، وعلى رئاسة مجلس الوزراء السلطة الأعلى في البلاد، والذي يتبع المكتب لها، أن تعمل جاهدة لمتابعة تحديث وتطوير عمله، ليكون مديره المركزي في دمشق قادراً أن يضع رئيس مجلس الوزراء بآخر الأرقام صبيحة كل يوم، وأن يكون مديره الفرعي في كل محافظة قادراً على ذلك مع السيد المحافظ، وعلى المشككين بأرقام المكتب بذل قصارى جهودهم للمساهمة في تمتين الثقة بها، والتي هي أقرب ما تكون إلى الدقة، ولكن المزيد من الدقة مطلوب ويجب العمل له.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية