تحقيقاتصحيفة البعث

صلة الأرحام في رمضان.. جسر محبة يعزز العلاقات الأسرية

 

فرضت مشاغل الحياة والسعي فيها حالة من الاغتراب بين أفراد الأسرة الواحدة، ليأتي شهر رمضان ويعيد ترتيب وضع الأسرة، فيجدد فيها ما اندثر أو كاد من أواصر المحبة والمودة بين أفرادها، فالالتزام بالطقوس العائلية أمر ضروري جداً للمحافظة على العلاقات الأسرية، ومد جسور المحبة بين جميع أفراد الأسرة، كالقيام بزيارات عائلية للأهل والأقارب، والسهرات الرمضانية، فتزيد من شعور الأفراد باحترام بعضهم، وتقوي أواصر المحبة فيما بينهم، فما هي فضائل صلة الرحم؟ وما هي الآثار النفسية والاجتماعية لصلة الرحم بشكل عام، وفي شهر رمضان بشكل خاص؟.

اللبنة الأساسية

العائلة هي الحضن الكبير الذي يجمع أفراد الأسرة الواحدة، ويحيطهم بالأمان والاهتمام، ويخلق بينهم صيغاً للتفاهم المتبادل، والعلاقات المشتركة، وهي اللبنة الأساسية في أي مجتمع وعماده ليكون ناجحاً وفريداً، فالعلاقات السعيدة تخلق بالضرورة مجتمعاً سعيداً.

منحة ربانية عظيمة

أكد الدكتور عبد الله السيد، مدير الفريق الديني الشبابي في أوقاف طرطوس، على أن شهر رمضان هو شهر القرآن، وشهر الجود والخير والكرم، وهو فرصة من الله سبحانه وتعالى، ومنحة ربانية عظيمة يمنحها الله لعبده كي يصلح علاقته مع الله، ومع إخوانه من الناس، وهو شهر يحمل في طابعه معاني روحية، وتغيرات اجتماعية جميلة ومميزة تجعل منه موسماً للفرح بطاعة الله والقرب منه، ففيه يلبي الإنسان نداء ربه سبحانه وتعالى، ويصوم نهاره، ويكثر من قراءة القرآن الكريم، ويحرص المسلم في رمضان على قيام الليل (التراويح)، والإكثار من ذكر الله، إذ إن الصيام يربي الإنسان على البر، وتحمّل المشقات، فيشعر من خلالها بلذة طاعة الله سبحانه وتعالى.

طاعة من الطاعات

وأشار السيد إلى أن صلة الرحم طاعة من الطاعات التي أمرنا الله بها، وفيها امتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، وأمر رسوله (ص)، وهي سبب لدخول الجنة، فقد أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى، وهم الأرحام الذين يجب وصلهم، فقال تعالى: «وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون»، ولذلك كانت هناك عقوبة من الله لمن يقطع الرحم، وهذه القطيعة تكون بالإعراض عن وصلهم وزيارتهم، وترك معونتهم، وعدم الوقوف بجانبهم، وعدم مشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، وتكون أيضاً بتفضيل غيرهم ممن هم أقل حقاً منهم، قال الله سبحانه وتعالى: «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم».

علاقة اجتماعية متماسكة

إن لصلة الرحم أثراً على الفرد والمجتمع بيّنها الدكتور السيد، فهي تعطي لصاحبها الشعور بالراحة والطمأنينة، وتفتح له باباً لدخول الجنة، جاء رجل إلى النبي (ص) وقال: أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ فقال النبي (ص): “تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم”.

كما تورث في القلب الصفاء والنقاء من الحقد والحسد والبغضاء، وتعين على وحدة الوطن وأبنائه، وتورث علاقة اجتماعية متماسكة، ومحبة قوية بين الأقارب، هذا لمن يقوم بالتواصل مع أرحامه، أما من يقطع أقرباءه ولا يزورهم لا في رمضان ولا في غير رمضان، فهذا يكون قد قطع علاقته مع الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله (ص): “الرحم معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله”، وصلة الرحم سبب لزيادة عمر الإنسان، قال رسول الله (ص): “من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه”.

بناء سليم

وأوضح مدير الفريق الديني الشبابي أن صلة الرحم إنما جعلت لبناء المجتمع بناء متماسكاً مترابطاً سليماً يحب بعضه بعضاً، لا يوجد فيه حقد أو غل أو بغض على أحد، وهذا البناء لا يتم إلا من خلال صلة الرحم، والتواصل المستمر بين الأقارب، وهناك طرق كثيرة لصلة الرحم كالزيارات المتبادلة بأن تذهب إليهم في أماكنهم وبيوتهم، وتستضيفهم أنت في مكانك وبيتك، وهناك مفهوم خاطئ وشائع بين الناس ألا وهو الزيارات (بطريقة الآلة الحاسبة)، فلا يزور قريبه لأنه زاره مرة ولم يرد الثاني له الزيارة، وهذا ما حذر منه النبي (ص) في قوله: “ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها”، ولابد من تفقدهم والسؤال عنهم والسلام عليهم، تسأل عن أحوالهم، سواء سألتهم عن طريق الهاتف، أو بلغت سلامك وسؤالك من ينقله إليهم، أو أرسلت ذلك عن طريق رسالة، أو بإعطائهم من مالك، سواء كان هذا الإعطاء صدقة إذا كان الموصول محتاجاً، أو هدية إن لم يكن محتاجاً، وقد ورد أن النبي (ص) قال: “إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة”، وتتجلى صلة الرحم أيضاً بتوقير كبيرهم ورحمة ضعيفهم.

تقوية روابط المحبة

وأكد السيد على أن شهر رمضان هو فرصة ثمينة لتحسين هذه العلاقات الأسرية، وتقوية روابط المحبة والألفة بين الأقارب بشكل عام، وبين أفراد الأسرة على وجه الخصوص، فوجودهم على مائدة واحدة مجتمعين منتظرين آذان المغرب هو من أدعى الأمور التي من خلالها تتحسن العلاقات الأسرية، لاسيما أننا في زمن يكاد لا يجلس فيه الأبناء مع آبائهم بقدر ما يجلسون مع شاشات جوالاتهم وحواسيبهم!.

آثار إيجابية

وفي شهر الخير والرحمة الفرصة كبيرة لتجديد صلة الرحم، والحفاظ عليها، لما لذلك من سعة بالرزق، وبركة في الأعمار، وتظهر من خلال ذلك العديد من الآثار النفسية، والاجتماعية الإيجابية، هذا ما أوضحته لبنه داوود، الدكتورة في الصحة النفسية بكلية التربية في جامعة طرطوس، ولخصت تلك الآثار بالتخلص من القلق والتوتر النفسي، لأن الحاجة للأمن والانتماء من الحاجات النفسية الهامة التي لا يمكن للفرد إشباعها إلا وسط جماعة يشعر بالانتماء إليها، ومن خلالها يحقق ذاته، وينعكس أثر ذلك على إنتاجية الفرد بوجه خاص، والمجتمع بوجه عام، كما تؤدي إلى شعور الفرد بالانتماء إلى جماعته، ما يؤدي إلى التوافق، والتكامل، والتآخي، والتفاعل الاجتماعي البناء، وتؤدي أيضاً إلى التقليل من نسبة الفشل الدراسي، وغيره من الاضطرابات والمشكلات النفسية والاجتماعية، إضافة إلى أن صلة الرحم تؤدي إلى شعور كل فرد من أفراد المجتمع بأنه محبوب ومرغوب به، فيسود إحساس لدى الجميع بالسعادة والارتباط، ويتخلص أفراد المجتمع من الأنانية المفرطة، ويجد الفرد من يقف بجواره في الشدائد ليشد من أزره، وليخفف عنه الألم، وبالتالي تقوي الروابط والعلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة، وتسود المحبة بينهم، وتورث صلة الرحم الذكر الجميل، والسمعة الطيبة، كما تؤدي إلى انخفاض نسبة الجريمة في المجتمع لما يسود بين أفراد هذا المجتمع من تعاطف وتماسك.

فرصة ثمينة

يمكن القول بأن شهر رمضان شهر محبة الأسرة وتآلفها، لذلك لابد من أن نستغل هذه الفرصة لنستمد من أخلاقيات وطقوس هذا الشهر الفضيل قيماً وأفكاراً لتقوية وتعزيز العلاقات العائلية، وصلة الرحم لا تقتصر على رمضان فحسب، والعبادة لله تعالى ليست موسمية، وقدوم شهر رمضان مرة في العام ليعلّم الناس الفضائل، لتصبح بعد الأيام الثلاثين سلوكاً متبعاً، وخلقاً ملتزماً.

دارين حسن