تحقيقاتصحيفة البعث

مرضى تحت رحمة قلة الخبرة الأخطاء الطبية.. إدانة خاضعة لحكم المضاعفات العلاجية

يكاد لا يخلو يوم إلا وتتكرر الأخبار المتداولة بشأن حالة وفاة، أو تدهور وضع مريض أكثر مما كان عليه قبل إسعافه إلى المشفى نتيجة حصول خطأ طبي غير مقصود من قبل الطبيب المشرف، وفي أغلب الحالات يتم التستر على هذا الخطأ من قبل إدارة المشفى ليخرج الكادر الطبي من القصة دون أية إدانة، أو حتى وقوعهم موضع شك من قبل الرقابة، وعلى الرغم من تأكد ذوي المرضى من دخول مرضاهم بحالة صحية مختلفة كلياً عن الحالة الميئوس منها التي يخرجون بها، خاصة في المشافي الحكومية التي تسمح للأطباء قيد التخصص بإجراء العمليات الخطيرة، إلا أن اللوم دائماً يقع على المرضى وذويهم بحجة أن كوادرنا والأجهزة الطبية تنافس الدول المتطورة، وعدم وجود إنسان “معصوم عن الخطأ”، وأن الخطأ الأول والأخير يقع على ذوي المريض الذين لم يسعفوه في الوقت المناسب، ليبقى المريض حقل تجارب لهؤلاء الطلاب الذين ينكرون وقوع أخطاء، مبررين فشلهم بوجود خلط، أو وفاته نتيجة للمضاعفات العلاجية، ما يثير مئات إشارات الاستفهام حول عدم قدرة الوزارة على ضبط هذه الحالات، وتقليصها، وهل السبب هو ضعف الكادر الطبي من الناحية المهنية، أم هو الضعف بوسائل التشخيص، أم هو خلل إداري يتعلق بتهاون الإدارة‏؟!.
حالات
الأخطاء الطبية ليست وليدة الأزمة في بلدنا، ولا نستطيع أن نبرر زيادتها خلال السنوات الأخيرة كون الأدمغة ذات الخبرة هاجرت خارج البلد، إذ إن كلية الطب البشري تخرّج مئات الأطباء في كل عام، وبالتالي من المفروض أن تكون هذه الكوادر الشابة التي تتدرب تحت أيدي الخبرات الضخمة في بلدنا بعيدة كل البعد عن ارتكاب أخطاء ولو بسيطة في عملها الطبي، ومع ذلك كنا ومازلنا نجد تكرر هذه الحالات بشكل مخيف يجعل المريض يتخوف من الدخول لأي مشفى، والخضوع لإجراء أي عمل جراحي حتى لو كان بسيطاً، وريمة واحدة من الكثيرات اللواتي رفضن خلال سنوات الأزمة إجراء عملية الولادة القيصرية في أي مشفى، سواء كان عاماً أو خاصاً، بعد أن تكررت حالات وفاة النساء أثناء الولادة لأكثر من مرة نتيجة هذه الأخطاء، لتتم العودة إلى زمن “الداية” التي باتت اليوم، للأسف، تحمل خبرة أكثر من أطبائنا المخضرمين، وفي المقابل لم ينكر أبو فادي الوضع الصحي السيىء لأخيه عند نقله إلى المشفى إثر تعرّضه لحادث مروري، لكن حالته الصحية لم تكن في درجة من السوء التي تودي بحياته، حسب رأي الأطباء عند إسعافهم له في بداية الأمر، ليناقضوا حديثهم عند استقبال المريض وعند وفاته بأن وضعه كان حرجاً منذ البداية، وعلى الرغم من طمأنة الأطباء بأن حالته تستدعي عملاً جراحياً سريعاً، وأنه سيستعيد عافيته كالسابق، إلا أن هذا العمل الجراحي أودى بحياته، لينكر الطاقم الطبي وجود خطأ من قبلهم، إلا أن أحد الممرضين أكد أن الطبيب المختص وقع بخطأ فادح، وقام الجميع بالتستر على خطأ هذا الطبيب، ليتم حل الموضوع بالتراضي مع الطبيب المشرف!.

اختصاص كاذب
ولا تقتصر الأخطاء الطبية الحاصلة على الأطباء البشريين، بل باتت الأخطاء الطبية الواقعة اليوم تحت أيدي أطباء الأسنان أكثر وأخطر، لتصبح ظاهرة تتفاقم بشكل كبير، وتحاول نقابة أطباء الأسنان ضبطها قدر الإمكان، لاسيما بعد لجوء الكثيرين لعمليات زرع أسنان، وهذه العمليات تتطلب أطباء اختصاصيين، ولكن للأسف يلجأ الكثير من أطباء الأسنان إلى وضع اختصاص كاذب على لافتات عياداتهم لاستقطاب أكبر عدد من المرضى، لتقع صديقة لنا تحت يد أحد هؤلاء، والذي قام بإجراء عمل جراحي فاشل مئة بالمئة أدى لحدوث مضاعفات، وورم، وتقيحات، ووزمات تحت العين، ولو لم تقم باستشارة طبيب آخر لكانت وصلت هذه الانتانات إلى الدماغ، وأودت بحياتها، ومع ذلك لم تقم بالادعاء على هذا الطبيب لوجود فكرة مسبقة عند الجميع بأنه يخرج منتصراً دائماً، واللوم يقع دائماً على المريض، الأمر الذي تنفيه نقابة الأسنان بالتأكيد من قبل الدكتور رشاد مراد نقيب أطباء الأسنان في دمشق على أنه تصل إلى نقابة أطباء الأسنان في دمشق حوالي ثلاث شكاوى أسبوعياً، أي بمعدل مئة شكوى سنوياً، وبالتالي فإن الأمر يستحق الوقوف عنده، فالكثير من الأطباء يقومون بعمليات جراحية من غير اختصاص، تجميل من غير اختصاص، زراعة أسنان من غير اختصاص، وهذا موضوع خطير لأن هذه العمليات يتم إجراؤها من قبل أطباء مختصين، وطالب مراد المرضى بالتعاون مع النقابة، والإبلاغ بحالات ادعاء اختصاصات لم يختص بها الطبيب، أو أخطاء طبية، وفي حال كانت هناك شكوى تحال إلى لجنة لدراسة الحالة، وفي بعض الحالات يتم منع الطبيب المخطئ من ممارسة المهنة لشهر، أو ستة أشهر، أو سنة، وفي حالات معينة يتم توجيه إنذار أو تنبيه.

بين العام والخاص
بين معادلة العام والخاص نجد أن كفة الخاص هي الغالبة دوماً، حتى عندما يتعلق الموضوع بأرواح الناس، لنجد أن أغلب الناس يفضّلون الذهاب إلى المشافي الخاصة للعلاج خوفاً من وقوعهم تحت يد طبيب مازال يختص في مشفى حكومي، وعلى الرغم من حصول حالات كثيرة من الأخطاء الطبية في المشافي الخاصة، إلا أن الانطباع العام عند المرضى تجاه المشافي الحكومية لم يتغير منذ عقود، وتوجهنا بسؤالنا إلى مدير مشفى الأطفال الذي يعتبر أحد المشافي الحكومية، حيث أكد مازن حداد مدير المشفى أن حالات الأخطاء الطبية تقلّصت خلال الأزمة، إذ أصبح الكادر الطبي أكثر مسؤولية، لنشهد حالتين فقط من الأخطاء الطبية خلال السنوات السبع الماضية في هذا المشفى، وبالطبع هي أخطاء غير مقصودة، فمن المستحيل وقوع خطأ طبي مقصود، لأن ذلك يعتبر جريمة، ويقوم المشفى في حال ورود خطأ طبي باتخاذ مجموعة من الإجراءات، أولها التأكد من صحة الادعاء بوجود خطأ طبي من قبل لجنة تحقيق مؤلفة من رئيس الشعبة، والطبيب المشرف على الطفل، ومدير الرقابة الداخلية بالمشفى، وتتراوح العقوبة من الإنذار ثم الخصم، وفي حال تم الادعاء من قبل أهل المريض نقوم بتحويل الموضوع للرقابة والتفتيش، وأصر حداد على أن نسبة وقوع الأخطاء الطبية غير مقصودة في المشافي الخاصة أكثر منها في الحكومية لوجود متابعة مستمرة على هذه المشافي، ووجود أكثر من طبيب اختصاصي، ورئيس شعبة، وغيرهم، في حين يقتصر الكادر الطبي في المشافي الخاصة على عدد محدد، وكان لمدير مشفى الرازي الخاص رأي مختلف تماماً، فمسألة الخطأ الطبي، برأي ماهر كنعان مدير المشفى، تتعلق بالخبرات التي يستقطبها المشفى، ومما لا شك فيه أن المشافي الخاصة تستقطب أفضل الخبرات من حيث الاختصاص، والفترة الزمنية للطبيب التي قضاها في ممارسة مهنة الطب، فكلما طالت الفترة زادت الخبرة، وبالتالي تقل نسبة حدوث الأخطاء في مشافينا إلى 1%، على عكس المشافي الحكومية التي تستقطب كوادر شابة قيد الاختصاص، والتي لا تملك خبرة كافية للتعامل مع أرواح المرضى، وهذا لا يعني عدم إخضاعهم للتعليم في المشافي، ولكن تحت أيدي اختصاصيين، لا تركهم يقومون بإجراء عمليات جراحية وحدهم، أما النقطة الأهم فهي التجهيزات الطبية الموجودة التي تعمل المشافي الخاصة على جلب أفضلها من حيث النوع والجودة، كذلك لابد من التنويه إلى كم العمل الذي يؤثر بشكل كبير على أداء الطبيب، فالمشافي الخاصة تقوم بإجراء خمس عمليات في اليوم، في حين هناك عشرات العمليات تقوم بها المشافي الحكومية في اليوم الواحد، وبالتالي كلما زادت العمليات زادت معها نسبة الخطأ غير المقصود، وفي حال وقوع خطأ غير مقصود في المشفى الخاص يتم التعامل بالتراضي بين الطرفين، وفي حال استحالة التراضي يتم اللجوء إلى القضاء.

تهويل للخطأ
نقيب الأطباء في سورية عبد القادر الحسن أكد عدم وجود أخطاء طبية مقصودة، وبالتالي جميع الأخطاء الحاصلة غير مقصودة، وللأسف نجد تهويلاً كبيراً لموضوع الأخطاء الطبية الذي لا ننفي وجوده، ولكن ليس بالدرجة التي يتناولها الناس في أوساط حديثهم، فالطبيب يعمل على الحفاظ على سمعته، ومن ثم فإن أي خطأ يصدر منه لا يكون مقصوداً، أو في الكثير من الأحيان يكون الخطأ الطبي ناتجاً عن الاختلاطات التي تحدث للمريض، وهذا لا تكون للطبيب علاقة به، وأكد الحسن على عدم وجود زيادة أبداً على نسبة الأخطاء الطبية، بل على العكس هناك حرص شديد من الأطباء بكل الاختصاصات ليكون الأداء الطبي جيداً، مضيفاً بأن العقوبات تبدأ من التنبيه إلى الإنذار، ثم الإنذار الخطي، وبعدها التوبيخ أمام المجلس المسلكي، ثم إغلاق العيادة لمدة شهر أو سنوات، أو حتى منع الطبيب من العمل بحسب الخطأ الواقع.

الإثبات القانوني
المسؤولية الطبية هي مسؤولية الطبيب عن الضرر الناجم عن خطأ ارتكبه نتيجة إهمال، أو عدم مراعاة القواعد العلمية، ويعتبر الطبيب مسؤولاً عن الضرر الناجم عن خطئه، سواء توقّع الطبيب النتيجة وظن أن بإمكانه اجتنابه قبل المخاطرة، أو أنه لم يكن قد توقّع وكان في استطاعته توقعها بحسب المادتين 189-190 من قانون العقوبات، حسب رأي المحامي علي عمران، ويتم التقاضي بتقديم الادعاء الشخصي إلى النيابة العامة التي تحيله لنقابة الأطباء لإجراء التحقيق المسلكي، وإصدار التقرير العلمي الذي يقيم أداء الطبيب المدعى عليه، وعلى ضوء كتاب النقابة يتم تحريك الدعوى العامة على الطبيب أمام القضاء المختص، وفيما يخص العقوبات التي تفرض بحق الأطباء في حال ارتكابهم للخطأ الطبي، لفت عمران إلى عدم وجود قانون خاص يعاقب على الخطأ الطبي تجاه المرضى في سورية، لافتاً إلى وجود نظام واجبات الطبيب، وآداب المهنة تفرض عليه التزامات عدة تجاه مرضاه فق”، وأضاف عمران بأن أعقد المشاكل التي تظهر في دعاوى مساءلة الأطباء عن أخطائهم المهنية هي مسألة الإثبات، فالمريض عليه أن يثبت وقوع الخطأ الذي أحدث الضرر، لافتين إلى أن معظم المتضررين أو ذويهم لا يقدمون على رفع دعاوى قضائية ضد من يعتبرونهم السبب في الخطأ الطبي، وذلك لأسباب عدة، منها ارتفاع تكلفة الخدمة القانونية، والتكهن المسبق بأن القضية خاسرة، والصعوبة البالغة في إثبات الخطأ الطبي على الطبيب، أو على المشفى، أو من كان له سبب في هذا الخطأ؟!.
ميس بركات