ثقافةصحيفة البعث

“وحدن” دراما تلفزيونية لجمهور من كوكب آخر

 

سؤالان لا بد من أن يطرحهما أي سيناريست على نفسه، قبل شروعه في كتابة سيناريو عمل درامي ما، السؤال الأول: ما هو نوع العمل؟، والسؤال الثاني: ما مقولته؟، ونضيف سؤالا ثالثا قد لا نتوخى الإجابة عنه في كل أنواع الدراما، وهو: من هي الشريحة المستهدفة من الجمهور في ذلك العمل؟.
الأسئلة السابقة، لم يجاوب عليها مسلسل “وحدن”-ديانا كمال الدين-نجدت أنزور-فالمسلسل بحسب الوصف اللفظي، ينتمي إلى نوع “الفانتازيا” لكنه حقيقة ليس كذلك، الفانتازيا قصة حقيقية تماما وشخصيات حقيقية، والغرائبي فيها، هو ما يحدث في صيرورة العمل وكأنه فعل طبيعي، كأن تتكلم “ياسمينة” في قصة علاء الدين الشهيرة، دون أن يجد من يسمعها أي مشكل في ذلك، أو أن يخرج مارد عملاق من إبريق قديم أيضا “أليس في بلاد العجائب” من نوع الفنتازيا، أما “وحدن” فهو بلا نوع، وربما تكون الرمزية التكثيفية فيه، والتي اشتغلت عليها الكاتبة في تقاطع مرحلتين زمنيتين، بين خيال يحضر إلى جانب الواقع، هي ما جعلته بعيدا عن الجمهور، الذي بات يأنف من هذا التداخل القسري للحكايات بتغيير أنواعها بحجة الرمزية المفرطة، بين بعضها البعض، ولحد الحلقة الحالية من العمل، يريد الجمهور أن يعرف إن كان ثمة حكاية خلف كل ذلك الحشد الهائل من الممثلين، الذي يجسد بعضهم أكثر من شخصية في العمل المذكور آنفا، فالجمهور المستهدف بالعمل، هو ربما جمهور من الرمزيين، وهم قلة، فالرمزية يمكن أن تمرّ في العمل الدرامي بمشهد أو حلقة، أما أن تكون حكاية درامية مضروب زمنها أصلا “زمن الثلاثين حلقة”، كلها تعتمد على الرمزية في تقديمها مقولة، لم يظهر منها شيء حتى اللحظة، إلا ما قالته كل من الكاتبة والمخرج للصحافة، في معرض الحديث عن العمل، فهذا أمر غير مفهوم، لا لأصحاب العقول الفذة، ولا لنا نحن البسطاء.
ديانا كمال الدين، التي كتبت “وحدن” وصاغت حواراته، يبدو أنها وأنزور يحققان انسجاما فنيا، باعتبارهما قاما بتنفيذ عدة مشاريع درامية مهمة، منها الفيلم الشهير “فانية وتتبدد” إلا أن نسبة المشاهدة المنخفضة نسبيا لـ “وحدن” حتى اللحظة -جرى هذا باستطلاع بسيط للآراء- تدل على أن الجمهور، لا يحبذ هذا النوع المتذاكي عليه، خصوصا وأن ذكاءه وهمي، وليس موجودا في إشارات يلتقطها المتابع، ثم يلحق بالخيط الدرامي الخارج منها، ثم يلتقط فكرة أخرى ويتبع أيضا خطها الدرامي، وهكذا، حتى يملّ وتثقل به الأحمال “الفرجوية” غير المفهومة، وفي هذا عقاب للجمهور وليس تزجية له فها متعة وفائدة معا.
هذه المرة اختار المخرج القدير “أنزور” العودة إلى “فورمه” الإخراجي” الذي نجح فيه بداية اشتغاله في الدراما التلفزيونية –نهاية رجل شجاع” وما تبعها بعدها من سلسلة “كواسر، جوارح… الخ”، لكنه حينها كان في كل عمل يتكئ على قصة قائمة بأركانها، قصة واضحة، تقول ما تقوله دون مزيد حشو في الشخوص والخيوط الدرامية المتشعبة، حتى والقماش يخرج من الجرار بلا سبب، -وفي هذا ما لا يمت للفانتازيا كما يُظن-، تابع الجمهور تلك الأعمال، فما الذي يجري بخصوص مسلسل “وحدن” كما يقدم على الشاشة، لا كما يحكي أصحاب العمل عنه، فهم قالوا كلمتهم ونفذوها على هيئة مسلسل درامي من 30 حلقة، ولا يحق لهم الآن إلا الاستماع إلى آراء الجمهور، حول ماإذا كانت أفكارهم وصلت، أم أن تلك الهلوسات البصرية، المتداخلة والمتشابكة حد التعقيد فيما بينها، لم تفلح في جذبه –أي الجمهور- للمشاهدة.!
وإليكم الرأي التالي من متابعة مهتمة بالعمل: “فكرة المسلسل حلوة وأظن أن فيها شيئاً مأخوذاً من فيلم أجنبي يحمل نفس الفكرة، أيضا جزيرة تحيا فيها النساء، إلا أنني وبعد المتابعة، ضعت ولم أعد أفهم شيئا، عن ماذا يحكي العمل؟ هل هو عن الزمن الحالي بتقاطع مع أيام زمان؟ هنا يوجد تناقض كبير بين نمط الثياب المختلفة كليا بالطابع والتاريخ بين كل النساء والرجال، الرجال يظهرون بثياب “سبور” والنساء لباس تقليدي فلكلوري، خطف وهجرة إلى ألمانيا ولا يوجد جوالات، كيف ذلك؟.”
هذا رأي من آراء الجمهور التي يجب على كل من يعمل في فن الدراما احترامها واحترام ذكائها، لا العبث بوعيها، بانتظار أن تظهر الحبكة، التي تظهر وتختفي، وتختفي وتظهر، في كل حلقة، وهكذا يمضي العمل حتى الحلقة الثانية عشرة منه، دون أن ينجح بجذب المشاهدين بأنواعهم.
ربما يكون للأثقال الفنية العتيدة التي رفعتها الكاتبة في العمل “سينوغرافيا- كاتب- مخرج منفذ”، هو ما جعل الحكاية تأخذ أبعادا غير واضحة ومفهومة.
يقول أحد الفلاسفة والمعلمين لتلاميذه الذين تحلقوا حوله وهم يخبروه بما تعلموه من تجربة طلب إليهم أن يخوضوها، وبينما الطلاب يُبدون آراءهم، توقف المعلم، وتوجه للأكثر ذكاء بينهم قائلا: “سيروا سير أضعفكم” وشرح الكلام واضح، فهل سار”وحدن” بهذه الصفة؟ مع الجمهور؟ أم أنه ينشد جمهورا من كوكب آخر وزمن آخر كحاله، ليفهم ما يجري فيه من أحداث، تدور وتدور فقط، لا تلوي على شيء سوى الدوران!.
حكمة ذاك المعلم المدهشة لطلابه، يجب أن يحتذي بها كل مشتغل بالفن، وإلا لصار متورما من الإفراط في تقديم الأنا غير المفهومة لصاحبها أولا، فما بالنا بمن يراه ويستمع إليه؟.
تمّام علي بركات