تطور نورد ستريم 2 ودوره في تصدير الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع رالف ديكل 22/5/2018
غالباً ما يدّعي المعارضون لمشروع نورد ستريم 2، وخاصة من بولندا، أن المشروع ليس له مبرر اقتصادي، وهو مشروع ذو دافع سياسي بشكل رئيسي، وحاولوا تصوير العبور الأوكراني كحل اقتصادي أفضل.
كان نورد ستريم مثالياً في تلبية جميع معايير البيئة والسلامة التي تتطلبها القواعد الدولية في المنطقة الاقتصادية الحصرية أو المياه الإقليمية التي تمر بها. وسيتبع نورد ستريم2 المسار نفسه ولن يثير مشكلات بيئية، لذلك من المعقول أن نفترض أن أي تصاريح تستند إلى معايير البيئة والسلامة سيتمّ إصدارها أو تأكيدها في المستقبل القريب.
إن القرار التقديري لوزير الخارجية الدانماركي حول ما إذا كان يجب اتباع إجراءات السلطات الدانمركية المسموح بها قد يجبر نورد ستريم 2 على طريق يستخدم المنطقة الاقتصادية الخالصة الدانمركية فقط- بدلاً من استخدام المياه الإقليمية للجزيرة الدانمركية بورنهولم، مثل سابقه نورد ستريم2- في حين أن هذا من شأنه أن يزيد من التكاليف ويؤخر المشروع، لكنه لن يوقفه. ومن غير الواضح تماماً كيف يمكن للدانمارك أن تستفيد من القرار التقديري لوزير خارجيتها بعدم السماح باستخدام مياهها الإقليمية.
لقد تطورت البنية التحتية في الاتحاد الأوروبي إلى درجة تعمل فيها السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي بشكل كامل. وتوضح دراسة “إي دبليو أي” أن نورد ستريم 2 في سوق الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي سيزيد من المنافسة مع الغاز الطبيعي المسال، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار التنافسية للاتحاد الأوروبي ولكل دولة من دوله، بما في ذلك الدول الواقعة على بحر البلطيق.
كما أن نظام العبور الأوكراني بات تصميماً قديماً لمواجهة آثار الاحتباس الحراري، وهو مستمر في التدهور بسبب نقص الصيانة، وأن الاستمرار في الاعتماد على هذا النظام في المستقبل يهدّد بتخفيض استيراد الغاز الروسي المنافس، وبالتالي يجعل الاتحاد الأوروبي يعتمد على المزيد من الواردات من الغاز الطبيعي المسال الأكثر تكلفة، وهو سيكون المستفيد الرئيسي من إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وخاصة من الولايات المتحدة، وستعمل نورد ستريم 2 على تقليل مثل هذه المخاطر بشكل كبير.
لا يوجد سبب اقتصادي أو بيئي لمعارضة بولندا للنورد ستريم 2، ولا يمكن تفسير الجهود التي تبذلها بولندا لمنع نورد ستريم 2 من أجل الحفاظ على نظام العبور الحالي عبر أوكرانيا إلا بدوافع سياسية.
العبور من أوكرانيا كنتيجة لتفكك الاتحاد السوفييتي
تمّ بناء خطوط الأنابيب العابرة الحالية في أوكرانيا في الأصل كخط أنابيب تصدير في السبعينيات “سويوس” والثمانينيات “خط UPU، بروجرس، خط البحر الأسود” للغاز السوفييتي المصدر بموجب عقود طويلة الأجل (LTCs) للمستوردين في الاتحاد الأوروبي وتركيا. لقد عبرت هذه الخطوط جميعها أوكرانيا باعتبارها الجمهورية السوفييتية في أقصى الغرب، وباستثناء خط البحر الأسود، اتجهت جميعها إلى أوزجورود باعتبارها أقصى نقطة غرباً- أيضاً بالنظر إلى سعة التخزين الكبيرة القريبة منه- لم يكن خيار خطوط الأنابيب البحرية عبر البحر الأسود وبحر البلطيق متاحاً في ذلك الوقت لأسباب فنية واقتصادية.
وأدى تفكك الاتحاد السوفييتي، وبالتوازي مع تفكك نظام نقل الغاز الموحد السابق، إلى وضع حصري لنقل الغاز في أوكرانيا، مع اعتماد روسيا على نظام العبور الأوكراني للوفاء بالتزامات التسليم التي ورثتها روسيا بموجب عقود طويلة الأجل. ولقد حذّر البنك الدولي أوكرانيا في بداية العقد الأول من القرن الحالي من المبالغة في موقفها من حصرية العبور، ما يضعها أمام المخاطر بإيجاد طرق بديلة سيجري بناؤها.
لم يتمّ تحديث النظام الأوكراني أو صيانته بشكل جيد، وحتى عام 2006 كان نظام شبه المقايضة موجوداً، حيث قدمت أوكرانيا خدمات العبور مقابل توصيل الغاز بأسعار منخفضة. ونتيجة لذلك، أصبحت أوكرانيا معتادة على تأجير العبور دون الاستثمار في موثوقية النظام ومن دون توفير شروط نقل وتعرفة تنافسية. وفي الوقت نفسه، حقّقت خطوط الأنابيب البحرية تقدماً فنياً واقتصادياً، حيث عرضت خيار تصدير الغاز الروسي باستثماراتها الخاصة وتجنّب دول العبور المزعجة. وظل نظام العبور الأوكراني في حالة سيئة واستمر في التآكل، ولكنه احتفظ بمركز العبور، كضرورة للوفاء بالالتزامات المترتبة في إطار العقود الروسية طويلة الأجل.
إن إجمالي الصادرات الحالية من الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي يتجاوز بالفعل السعة الإجمالية لـ نورد ستريم 1 و 2. لذلك ، سيبقى هناك دور لأوكرانيا لتوفير الكمّ المتأرجح لارتفاع الطلب على واردات الغاز في الاتحاد الأوروبي. وهذا من شأنه أن يسمح للغاز الروسي بالمنافسة مع الغاز الطبيعي المسال، ولكنه سيوفر أيضاً دعماً لممرات خطوط الأنابيب الشمالية والجنوبية للغاز الروسي، طالما أن مثل هذا النقل يتمّ تقديمه كخدمة تنافسية وموثوقة. ولكي يستمر نظام العبور الأوكراني على المدى الطويل، يجب أن يستند أي حل إلى منطق اقتصادي وليس إلى موقف يسعى للحصول على إيجار العبور أو على المقايضات السياسية.
من وجهة نظر اقتصادية، تدعم معارضة بولندا ودول البلطيق لنورد ستريم 2 استمرار موقف أوكرانيا الراغب في البحث عن مكان يسعى إلى استغلال موقع العبور الخاص بها. وهذا يتعارض مع مبادئ المادة الخامسة من اتفاقية “الغات”، ومع توفير خدمة عبور تنافسية وموثوقة تماشياً مع قواعد الاتحاد الأوروبي -التي تلتزم أوكرانيا اتباعها كعضو في معاهدة مجتمع الطاقة- سيكون الأمر منطقياً من الناحية الاقتصادية أن نضمن التشغيل الموثوق لخط ترانزيت واحد على الأقل. وفي هذا مصلحة اقتصادية لجميع الأطراف المعنية، فروسيا ستكون قادرة على توصيل كميات إضافية إلى الاتحاد الأوروبي وأكبر من القدرة الأساسية لخطوط الأنابيب الجديدة، وسيكون الاتحاد الأوروبي قادراً على الاستفادة من الغاز الروسي المنافس للغاز الطبيعي المسال، وأخيراً وليس آخراً، ستحقّق أوكرانيا دخلاً من تقديم خدمة تنافسية وستثبت جدارتها بثقة مجتمع المستثمرين الدوليين.