صحيفة البعثمحليات

إذا لم تربح فلن تخسر

 

تهيمن على سوق العقارات قاعدة ثابتة لم تتغيّر عبر عقود طويلة، مفادها “إذا لم تربح فلن تخسر”، هذا إذا لم نجزم بأننا أمام قطاع “يقص ذهباً” حتى ولو كان في أسوأ ظروفه وانتكاساته، ولتكن الحرب المدمّرة حالياً مثالاً لسيطرة الخسائر على أغلب المجالات والمناحي، في حين تسير ميادين البناء والتشييد وتجارة الشقق والبيوت بيعاً وشراءً عكس التيار في هيمنة شبه تامة للمكاسب الفاحشة التي يجنيها كل من يقاول ويتعهد ويتاجر ويسمسر ويتوسط عقارياً.

لا تحتاج المسألة للكثير من التقصي والتحري، فانتشار وتفشي المكاتب العقارية في المدن والأرياف دليل على رواج وانتعاش هذا السوق في هذا الزمن وقبله وبعده، حيث لا تحتاج العملية لأكثر من طاولة وبضعة كراسي وعدة ضيافة وفي اللسان حصافة، لتكون تاجراً دون رأس مال مع إمكانية لعب دور الوجاهة باستقبال ووداع شريحة العاطلين عن العمل أو أولئك “المتقاعدين” الذين يقطعون الوقت في آخر مشوار حياتهم ومسترزقي الفرص والضربات العاجلة، ولا يعتقد بعضكم أن هذه المكاتب مخصّصة لكش الذباب، بل هنا تحاك المؤامرات على الزبائن ويتم إيقاع المواطنين شارين أو بائعين أو مؤجرين ومستأجرين بمكائد التحايل وتسويق “البيعة” على أنها لقطة العمر، ومابين جلسة هنا ومفاوضات هناك ومحاولات إقناع وكسر أسعار وبدلات إيجار تتراكم النسب والهوامش والمرابح والمكاسب؟!

يتعالى إيقاع ارتفاع أسعار العقارات وبدلات الإيجار ليغدو المشهد محتدماً عند معشر العائلات المهجّرة من الإرهاب والمضطرة للسكن في المناطق الآمنة، وشريحة الطلبة المستأجرين للدراسة وفئة الوافدين وقاصدي “السترة”، كلّه في سبيل تأمين المسكن الآمن ولو كان بظروف غير ملائمة.. لتبدأ فصول الاستغلال الأعمى عند المتاجرين بحاجة وطلب الناس للإيواء ورفع الأسعار إلى حدود كبيرة جداً، بحيث يعادل إيجار الغرفة ثلاثة أرباع راتب الموظف، في وقت تتسارع الخطى لإقامة المزيد من المحاضر المخالفة في جلّها وتحلّق قيم الشقق بيعاً وإيجاراً ليصل بدل إيجار الشقة الصغيرة من قياس غرفتين ومنافعها إلى 40 ألف ليرة في مناطق المخالفات، فكيف الحال بأحياء التنظيم و”الطابو الأخضر” فهنا نار الأسعار؟!

في أدبيات مجتمعنا ثمّة احترام وتقدير لأي عمل أو مهنة أياً يكن نوعها ومستواها، ولكن الجرم والخطأ والارتكاب المخالف للقوانين والأعراف بشكل غير مسوغ هو في المتاجرة وليس التجارة التي تسيء لأي نشاط ولو كان فضيلاً، فكيف الحال ونحن أمام سوق يغري الباحثين عن الثراء من جيب الفقراء؟!

علي بلال قاسم