أخبارصحيفة البعث

الرئيس الأسد في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”: الغرب ودُماه يحاولون جعل نهاية الحرب أكثر بعداً الولايات المتحدة تخسر أوراقها وعلى الأمريكيين أن يغادروا وسيغادرون.. و”إسرائيل” تشعر بالهلع

 

أكد السيد الرئيس بشار الأسد أنه مع كل تقدّم يحققه الجيش العربي السوري في معركته ضد الإرهاب، ومع أي تقدّم تحرزه العملية السياسية، فإن أعداء سورية وخصومها في الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، والدمى التي تحرّكها في أوروبا والمنطقة، يحاولون جعل نهاية الحرب أكثر بعداً، عبر زيادة دعمهم للإرهاب وإحضارهم المزيد من الإرهابيين إلى سورية أو عبر إعاقتهم العملية السياسية، وأوضح، في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، أنه بعد تحرير حلب ودير الزور وقبل ذلك حمص والآن دمشق فإن الولايات المتحدة تخسر أوراقها، حيث كانت “جبهة النصرة” الورقة الرئيسة، لكن عندما بدأت الفضيحة بالتكشف بأنها جزء من “القاعدة” بحثوا عن ورقة أخرى وهي قوات سورية الديمقراطية، لافتاً إلى أن التعامل معها سيتمّ عبر خيارين، الأول عبر المفاوضات، والثاني، في حال لم ينجح الأول، هو اللجوء إلى القوة لتحرير المناطق التي يسيطرون عليها بوجود الأمريكيين أو بعدم وجودهم، وشدد قائلاً: على الأمريكيين أن يغادروا وسيغادرون بشكل ما، أتوا إلى العراق دون أساس قانوني وانظر ما حل بهم، عليهم أن يتعلّموا الدرس، العراق ليس استثناء وسورية ليست استثناء، الناس لم يعودوا يقبلون بوجود الأجانب في هذه المنطقة، وفيما يلي نص المقابلة:

الوضع يقترب من خط النهاية

سيادة الرئيس شكراً لكم لإتاحة هذه الفرصة لنا لإجراء هذه المقابلة. بعد قضاء سنوات من التردد على سورية وإرسال التقارير الإخبارية منها، يشرفني أخيراً أن ألتقي بكم. سيادة الرئيس، نظراً لضيق الوقت سأطرح عليكم سؤالي الأول: لقد أدت انتصاراتكم الأخيرة في الغوطة وفي مخيم اليرموك إلى إحداث تغيير جذري في الوضع على الأرض في سورية. بتقديركم، ما مدى اقترابنا الآن من نهاية هذه الحرب؟.
الرئيس الأسد: أولاً، أهلاً وسهلاً بك في سورية. مع كل تقدّم في ميدان المعركة، ومع كل انتصار، ومع كل تحرير لمنطقة جديدة، نقترب من نهاية الصراع. وقد قلت دائماً: إنه دون التدخل الخارجي، فإن الأمر لن يستغرق أكثر من عام واحد لتسوية الوضع في سورية. لكن في الوقت نفسه، مع كل تقدّم يحققه الجيش السوري، وكل تقدّم تحرزه العملية السياسية، والوضع بمجمله نحو تحقيق المزيد من الاستقرار، فإن أعداءنا وخصومنا، بشكل رئيسي في الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة والدمى التي تحرّكها في أوروبا وفي منطقتنا، إضافة إلى مرتزقتهم في سورية، يحاولون جعل النهاية أكثر بعداً، سواء بدعم المزيد من الإرهاب، وإحضار المزيد من الإرهابيين إلى سورية، أو بإعاقة العملية السياسية. وبالتالي، فإن التحدي الماثل أمامنا هو كيف يمكننا ردم هذه الهوة بين مخططاتهم ومخططاتنا. وأعتقد أننا ننجح في هذا الصدد، لكن في الوقت نفسه من الصعب على أي شخص أن يحدد متى يكون ذلك. لكن الوضع يقترب من خط النهاية. هذا بديهي.

القوة الخيار الوحيد للتعامل مع الإرهابيين الظلاميين

يمكن القول بموضوعية: إن انتصاراتكم العسكرية الأخيرة كانت مذهلة من حيث السرعة التي انهارت بها دفاعات المجموعات المسلحة التي كانت قد صمدت لسنوات. هل تخططون لاستعادة كل سورية بالقوة؟ نحن نتحدّث عن إدلب، والحدود مع “إسرائيل”، والأراضي التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية.
الرئيس الأسد: إن الحرب هي الخيار الأسوأ. أعتقد أن جميع السوريين يتفقون على هذه الحقيقة. لكن في بعض الأحيان لا يكون لديك سوى هذا الخيار، لأنك عندما تتحدّث عن فصائل مثل “القاعدة”، و”داعش”، و”النصرة” والمجموعات الأخرى ذات العقليات المتشابهة، لأن معظمهم يعتنقون الأيديولوجيا نفسها، مثل “جيش الإسلام”، و”أحرار الشام” وغيرها، فإن هذه المجموعات ليست مستعدة للحوار، ليس لديهم أي خطة سياسية، الشيء الوحيد الذي يمتلكونه هو هذا المخطط الإيديولوجي الظلامي، وأن تصبح المناطق التي يسيطرون عليها شبيهة بأي منطقة تسيطر عليها “القاعدة” في أي مكان من العالم، لذلك فإن الخيار الوحيد للتعامل مع هؤلاء هو القوة، في الوقت نفسه، نجحنا في مناطق أخرى بتنفيذ المصالحات، خصوصاً عندما تضغط المجتمعات المحلية في تلك المناطق المختلفة على أولئك المسلحين وتدفعهم لمغادرة تلك المناطق. أعتقد أن الخيار الأفضل هو تحقيق المصالحات، هذه خطتنا، لكن عندما لا ينجح ذلك، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن اللجوء إليها هي استخدام القوة.

سنحرّر كل جزء من سورية

فيما يتعلق بالمصالحة، ما مدى حكمة إرسال كل هؤلاء الجهاديين المخضرمين مع أسلحتهم الخفيفة إلى إدلب؟ حتى الآن ذهب عشرات الآلاف من هؤلاء إلى إدلب وعزّزوا مواقعهم وبنوا تحصينات، في النهاية، كما تقولون، سيتوجب عليكم محاربتهم. من ناحية أخرى، هل تخططون ربما لتأسيس منطقة تقع خارج سيطرة الحكومة؟.
الرئيس الأسد: في الواقع، نحن نقول دائماً: إننا سنحرّر كل جزء من سورية، وبالتالي من المستحيل أن نتعمّد ترك أي منطقة على التراب السوري خارج سيطرتنا كحكومة، هذا أمر طبيعي، وكما تعرف، فقد استولى الإرهابيون على إدلب في العام 2015 بدعم تركي، لقد تمّ الاستيلاء عليها بشكل رئيسي من قبل “النصرة” وبعض الفصائل الداعمة لها، في الواقع، كنا قد بدأنا بالمصالحات قبل ذلك الوقت، لكن في كل مصالحة جرت بعد العام 2015، أعتقد أن ذلك كان في أيار 2015، كانت جميع الفصائل التي ترغب بمغادرة المدن أو القرى تختار الذهاب إلى إدلب، هذا مؤشر واضح على أن لديهم الأيديولوجيا نفسها، لأنهم يختارون الذهاب إلى منطقة تخضع لسيطرة “النصرة”، ولم يختاروا الذهاب إلى أي منطقة أخرى، إذاً، نحن لم نرسل هؤلاء إلى إدلب، بل هم أرادوا الذهاب إليها لأن لديهم جميعاً الحاضنة نفسها، المناخ نفسه، وطريقة التفكير نفسها.
هذا من ناحية، من ناحية أخرى، عسكرياً، كانت خطة الإرهابيين ومشغليهم تقضي بتشتيت تركيز الجيش السوري وذلك بجعل وحداته تنتشر على كل التراب السوري، وهو أمر ليس جيداً لأي جيش، أما خطتنا فكانت تتمثّل في وضعهم في منطقة واحدة، أو منطقتين، أو ثلاث مناطق، إذا كانت لديك جبهتان أو ثلاث أو أربع جبهات، فإن ذلك أفضل من أن يكون لديك عشرات أو ربما أكثر من مئة جبهة في الوقت نفسه. وبالتالي، هم يختارون الذهاب إلى إدلب، لكن هذا أفضل بالنسبة لنا من منظور عسكري.

محاولة الغرب إحداث شرخ في المجتمع فشلت

من جهة أخرى، وبالحديث عن العقليات المتشابهة، فإن إدلب، أو المجموعات المسلحة الموجودة هناك سنية في معظمها. وأنا نفسي كسني لدي قريب من عائلتي الممتدة أتى إلى سورية للقتال ضدكم ولمقاومتكم لأنه قيل له إنكم كنتم تستهدفون وتقتلون السنة. هذا ما يعتقده كثيرون في إدلب. لماذا في رأيكم يعتقد هذا العدد الكبير من الناس في كل هذه البلدان المختلفة، في أمريكا، وفي روسيا، هؤلاء السنة، هؤلاء المسلمون، بأنك تقمعهم؟.
الرئيس الأسد: لأن الرواية الأولى التي ظهرت عند بداية الأحداث، على المستوى الدولي، وبشكل رئيسي في الغرب بالطبع، وداخل سورية وفي بعض وسائل الإعلام الرئيسة في منطقتنا وفي الغرب، كان أصحابها يخططون لإحداث شرخ طائفي في المجتمع. ما سيسهل عليهم الأمور لتصوير أن لدينا نوعاً من الحرب الأهلية بين الطوائف أو الإثنيات. وقد فشل ذلك. إنهم يستمرون الآن باستخدام الرواية نفسها، على الأقل لتشجيع بعض المتعصبين في مناطق أخرى من العالم للقدوم والدفاع عن “إخوانهم” في هذه المنطقة. الذين يتصوّرون الأمر على أن هناك صراعاً بين الطوائف. ربما بسبب ضيق تفكيرهم أو جهلهم اعتقدوا أنهم أتوا إلى هنا لدعم إخوتهم، إذا قلت لك: إن هذا صحيح أو خطأ، فإن جمهورك لا يعرفني وليست لديه فكرة عن مصداقيتي، لكني سأقول: إنك تعرف سورية جيداً، فمن الأفضل أن تذهب وترى الواقع على الأرض. إذا كانت مثل هذه الرواية موجودة على أرض الواقع، أي أن هناك طائفة تقتل أخرى، ينبغي أن تكون سورية مقسّمة الآن على أساس طائفي. لو كان الأمر كذلك، لرأيت، عندما تزور منطقة تحت سيطرتنا، لوناً واحداً أو بضعة ألوان من المجتمع السوري، وفي المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، ينبغي أن تكون هناك ألوان متنوّعة. الحقيقة ليست كذلك. الآن، في دمشق، وفي حلب، وفي حمص، وفي كل منطقة واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، سترى جميع أطياف المجتمع السوري دون أي استثناء. هذا الواقع يفنّد هذه الرواية. أعني أنه كيف يمكن لهم أن يعيشوا مع بعضهم بعضاً بينما تقوم الحكومة بقتلهم على أساس طائفي؟ هذا غير معقول.

مع أي مبادرة لحقن الدم السوري

فيما يتعلق بالمفاوضات والمصالحات، لقد بذلت جهود للشروع في محادثات للتوصل إلى نتيجة في جنيف، وفي أستانا، لقد حققت هذه الجهود نجاحاً محدوداً. لم يكن النجاح كبيراً. لنكن صريحين، أنتم تفوزون، أنتم تنتصرون على الأرض، فقواتكم تتقدم والمجموعات المسلحة تتراجع، فلماذا تتفاوضون معهم الآن وهم يخسرون؟.
الرئيس الأسد: منذ البداية، قلنا: إنه كلما كان بإمكاننا حقن الدم السوري، فعلينا أن نتقدّم وأن نتعامل مع أي مبادرة مهما كان نوعها، حتى لو كانت نوايا الطرف الآخر سيئة. فبعض المبادرات قدّمت بنية سيئة، ورغم ذلك تعاملنا معها، الواقع الآن في سورية هو أنه إذا ذهبت إلى أي مكان ستجد أن النتائج التي تجسّدت بفعل المصالحات تشكّل دليلاً على ما أقوله. دون هذه السياسة ودون هذه النية بحقن الدم السوري، دون التفاوض والتحدّث إلى الناس، لما تمكّنا من تحقيق هذه المصالحات. هذا من جهة. من جهة أخرى، لا يستند كل من قاتل الحكومة إلى الأساس نفسه، فبعضهم لديه خلفية أيديولوجية، وبعضهم لديه خلفية مالية، وبعضهم ارتكب خطأ في بداية الأحداث وأجبروا على الذهاب في ذلك الاتجاه ولم يعد بإمكانهم الانسحاب. وبالتالي عليك أن تفتح الأبواب وأن تميّز بين مختلف الأشخاص. والأكثر أهمية من هذا هو أن أغلبية الناس الذين كانوا ضد الحكومة ظاهرياً، وفي مختلف المناطق المحررة، كانوا مع الحكومة في قلوبهم لأنه كان بإمكانهم التمييز بين أن يكونوا في كنف الحكومة وبين أن يعيشوا في ظل الفوضى.

الولايات المتحدة تخسر أوراقها

فيما يتعلق بالمحادثات، واستعادة المناطق بالقوة، لنأخذ على سبيل المثال المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية في دير الزور. لقد حدثت اشتباكات هناك بين قوات موالية لكم وقوات سورية الديمقراطية نفسها وهي القوات الشريكة للولايات المتحدة. وقد استخدمت الولايات المتحدة القوة لمنع القوات الموالية لكم من السيطرة على بعض المناطق. وقد حدث هذا في التنف أيضاً، كيف ستتعاملون مع الوجود العسكري للولايات المتحدة في سورية؟.
الرئيس الأسد: بعد تحرير حلب، وبعدها دير الزور، وقبل ذلك حمص، والآن دمشق، فإن الولايات المتحدة في الواقع تخسر أوراقها. لقد كانت الورقة الرئيسة هي “النصرة” التي وصفوها بأنها “معتدلة”. لكن عندما بدأت الفضيحة بالتكشّف، أي أنها ليست معتدلة، وإنها جزء من القاعدة التي كان ينبغي محاربتها من قبل الولايات المتحدة، بحثوا عن ورقة أخرى. هذه الورقة هي قوات سورية الديمقراطية الآن، لأنه كما يبدو، وكما ذكرت أنت الآن، فإننا نتقدّم في مختلف المناطق لإلحاق الهزيمة بالإرهابيين، وباتت المشكلة الوحيدة المتبقية في سورية هي قوات سورية الديمقراطية. وسنتعامل معها عبر خيارين، الخيار الأول هو أننا بدأنا الآن بفتح الأبواب أمام المفاوضات، لأن غالبية هذه القوات هي من السوريين، ويفترض أنهم يحبون بلدهم، ولا يرغبون بأن يكونوا دمى بيد الأجانب. هذا ما نفترضه، وبالتالي لدينا الأساس نفسه. جميعنا لا نثق بالأمريكيين منذ عقود، ليس بسبب الحرب، بل لأنهم دائماً يقولون شيئاً ويفعلون عكسه. إنهم يكذبون بشكل يومي. إذاً، لدينا خيار وحيد وهو أن نعيش مع بعضنا كسوريين وإلى الأبد.
هذا هو الخيار الأول. إذا لم يحدث ذلك، سنلجأ إلى تحرير تلك المناطق بالقوة، ليس لدينا أي خيارات أخرى، بوجود الأمريكيين أو بعدم وجودهم. ليس لدينا خيار آخر. هذه أرضنا، وهذا حقنا، ومن واجبنا تحرير تلك المنطقة. وعلى الأمريكيين أن يغادروا، وسيغادرون بشكل ما. أتوا إلى العراق دون أساس قانوني، وانظر ما حل بهم. عليهم أن يتعلّموا الدرس. العراق ليس استثناء، وسورية ليست استثناء. الناس لم يعودوا يقبلون بوجود الأجانب في هذه المنطقة.

“إسرائيل” تشعر بالهلع لأنها تفقد أعزاءها من “النصرة” و”داعش”

لكن فيما يتعلّق باستعادة المناطق الأمر الذي يبدو عصياً على التفسير هو أنكم كلما أزلتم تهديداً، لنقل في الغوطة مثلاً، يبدو أن تهديداً آخر يظهر. وقد حدث هذا بشكل متكرّر. هناك الآن وزير الطاقة الإسرائيلي الذي يهدد بأن بلاده، وأقتبس “ستصفيكم أنتم وحكومتكم”. هل تخشون ذلك، وكيف تنظرون إلى ذلك التهديد؟
الرئيس الأسد: منذ ولدنا، وأنا أتحدّث عن جيلي ومعظم الأجيال الآن في سورية، عشنا في ظل هذا التهديد بالعدوان الإسرائيلي. لقد بات هذا جزءاً من لا وعينا الشعوري. وبالتالي فإن القول بأننا خائفون ونحن نعيش في ظل التهديد نفسه منذ عقود، مجرد هراء. لقد دأب الإسرائيليون على الاغتيال، والقتل، والاحتلال، منذ حوالي سبعة عقود، في هذه المنطقة، لكنهم يفعلون هذا عادة دون تهديد. لماذا يهددون الآن بهذه الطريقة؟ هذا مؤشر على الهلع، هذا نوع من الشعور الهستيري، لأنهم يفقدون “أعزاءهم”، وأعزاؤهم هم “النصرة” و”داعش”، ولهذا تشعر “إسرائيل” بالهلع مؤخراً، ونحن نفهم شعورهم.

دفاعاتنا الجوية أقوى من أي وقت مضى

يبدو أن “إسرائيل” تشن الضربات الجوية في سائر أنحاء سورية كما تشاء. إنهم يتبجحون علناً وأمام الكاميرات مرة بعد مرة بأن دفاعاتكم الجوية عاجزة عن منعهم من ذلك وإنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون في سورية. هل هذا صحيح؟ هل هناك ما تستطيعون فعله لمنع “إسرائيل” من شن غاراتها الجوية في سورية؟
الرئيس الأسد: في الواقع، فقد كان الهدف الأول للمرتزقة في سورية هو الدفاعات الجوية، قبل أن يهاجموا أي قاعدة عسكرية أخرى، وقد كان هذا مفاجئاً حينذاك، فلماذا يهاجمون الدفاعات الجوية؟ إذ لا علاقة لها بالتعامل مع “المظاهرات السلمية” أو “القوى المعتدلة” كما يسمونها، ولا تستطيع التعامل مع المتطرفين بأي حال من الأحوال. إنها شيء آخر، فقد وجدت للدفاع عن البلاد. وبالتالي، فإن مهاجمتهم لها هو دليل آخر على أن “إسرائيل” كانت مرتبطة مباشرة بأولئك الإرهابيين في سورية. ولذلك هاجموا تلك القواعد ودمّروا جزءاً كبيراً من دفاعاتنا الجوية. الآن، ورغم ذلك، فإن وضعنا، أو لنقل دفاعاتنا الجوية أقوى من أي وقت مضى بفضل الدعم الروسي. وقد أثبتت الهجمات الأخيرة من قبل الإسرائيليين والأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين أن وضعنا الآن أفضل. الآن، وجواباً عن سؤالك، فإن الخيار الوحيد أمامنا هو تحسين دفاعاتنا الجوية. هذا هو الشيء الوحيد الذي نستطيع فعله، ونحن نفعله.

لدينا ضباط إيرانيون يساعدون الجيش السوري

“إسرائيل” تقول: إن ضرباتها الجوية لا تستهدفكم حتى الآن، أي لا تستهدف الرئيس أو الحكومة، بل تستهدف إيران، وإنها تهدف إلى إبقاء إيران، حليفتكم، ضعيفة في سورية. وهذا غريب، لكن وجود إيران هنا، وهي حليفتكم، ليس سراً، فقد ساعدتكم. لكن وجودهم هنا الآن يعرضكم للتهديد. هل ستفكرون بالطلب من إيران أن تغادر؟
الرئيس الأسد: الحقيقة الأكثر أهمية فيما يتعلّق بهذه القضية هي أنه ليس لدينا قوات إيرانية. لم يكن لدينا أي قوات إيرانية في أي وقت من الأوقات، ولا يمكن إخفاء ذلك، ولا نخجل من القول بأن لدينا مثل هذه القوات، لو كانت موجودة، فنحن من دعونا الروس وكان بإمكاننا أن ندعو الإيرانيين. لدينا ضباط إيرانيون يساعدون الجيش السوري، لكن ليس لديهم قوات. والحقيقة الأكثر وضوحاً التي تثبت كذبهم في هذه القضية، أي قضية الإيرانيين، هي أن الهجمات الأخيرة قبل بضعة أسابيع، التي قالوا إنها استهدفت قواعد ومعسكرات إيرانية، كما زعموا، أدت إلى استشهاد وجرح عشرات الشهداء والجرحى السوريين، ولم يكن هناك إيراني واحد. إذاً، كيف يستطيعون القول إن لدينا مثل تلك القوات؟ هذا كذب. نقول دائماً: إن لدينا ضباطاً إيرانيين، لكنهم يعملون مع جيشنا، وليس لدينا قوات إيرانية.

“الكيماوي” مجرد ذريعة لمهاجمة سورية

في موضوع آخر يتعلق بالهجمات الكيميائية، هناك الآن هجمات كيميائية مزعومة منتظمة تحدث في سورية. حكومتكم وحلفاؤكم يقولون: إن لا علاقة لكم بهذا. وقد دعم حلفاؤكم ما تقولونه وأنكروا أي مسؤولية لكم، ويقولون: إن لا معلومات لديهم بقيامكم بهذه الهجمات. السؤال هو: من مصلحة من استخدام الغازات السامة ضد معارضيكم؟.
الرئيس الأسد: هذا هو الجزء الأهم من الجواب، لمصلحة من؟ هل هذا لمصلحتنا؟ لماذا؟ ولماذا لا؟ أقول هذا لأن توقيت هذا الهجوم المزعوم كان بعد انتصار الجيش السوري في الغوطة. ناهيك عن حقيقة أننا لا نمتلك أسلحة كيميائية في كل الأحوال، وأننا لن نستخدم هذه الأسلحة ضد شعبنا، لأن المعركة في سورية كانت حول كسب قلوب السوريين، هذه هي المعركة الرئيسية، وقد كسبناها. إذاً، كيف يمكن لك أن تستخدم الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين الذين تريدهم أن يكونوا داعمين لك؟ هذا أولاً. ثانياً، إذا أردت استخدامها ولنفترض أنك تمتلكها وتريد استخدامها، فهل تستخدمها بعد أن تكون قد حسمت المعركة؟ أم قبلها، أو حتى خلالها؟ هذا غير منطقي. ثالثاً، إذا ذهبت إلى تلك المنطقة تجد أنها كانت منطقة مكتظة بالجيوش والفصائل والمدنيين. إذا استخدمت مثل تلك الأسلحة في تلك المنطقة، فستلحق الضرر بالجميع، وهذا لم يحدث. وإذا ذهبت إلى تلك المنطقة وسألت المدنيين، لن تجد من يقول: إن هجوماً كيميائياً قد حدث. حتى الصحفيين الغربيين الذين ذهبوا إلى هناك بعد تحرير الغوطة قالوا “لقد سألنا الناس وقالوا إنهم لم يروا أي هجوم كيميائي”. وبالتالي، فإن تلك كانت رواية ومجرد ذريعة لمهاجمة سورية.

واشنطن داست على القانون الدولي بشكل يومي

حسناً، ربما كانت ذريعة، لكن ليس لدينا أدلة. كما تعرفون هناك شائعات على تويتر، وبعض مقاطع الفيديو المشوشة التي تظهر صوراً لما يزعمون أنه حصل نتيجة لهذا الهجوم، وهو ما كان مبرراً كافياً لكي تشن الولايات المتحدة وحلفاؤها ضربات بصواريخ الكروز على سورية. ماذا لو حدث هجوم مزعوم آخر بشكل يتلاءم مع أهداف هؤلاء؟ هل ستكون هناك مجموعة كبيرة أخرى من الصواريخ التي تستهدف سورية؟.
الرئيس الأسد: هذا يمكن أن يحدث بالطبع، لأن الولايات المتحدة داست على القانون الدولي وبشكل يومي أحياناً في مناطق مختلفة ولأسباب مختلفة. وبالتالي فإن أي بلد في العالم يمكن أن يكون عرضة لمثل هذا الهجوم. لكن ما الأساس القانوني لهذا الهجوم، ما الأساس القانوني لوجود طائراتهم، لتحالفهم، لما يسمى بـ “التحالف ضد الإرهاب”؟ والذي هو في الواقع يدعم الإرهابيين. ما الأساس القانوني لذلك التحالف؟ لا شيء. ما الأساس القانوني للهجمات التي تشن في اليمن، في أفغانستان، على الحدود مع باكستان؟ الخ… ليس هناك أي أساس قانوني. إذاً طالما أن لا وجود لقانون دولي يمكن أن تنصاع له الولايات المتحدة والدمى التابعة لها في الغرب، ليس هناك ضمانة بأن ذلك لن يحدث. لقد حدث قبل بضعة أسابيع، وحدث العام الماضي، في نيسان 2017، ويمكن أن يحدث في أي وقت. أتفق معك تماماً.

الرأي العام لم يبتلع رواية الغرب حول “الكيماوي”

لكن الرد الذي كان ترامب قد وعد به هو رد شديد ومفرط، طبقاً لما قاله سابقاً. أما الرد الذي رأيناه، أي الضربة الجوية التي رأيناها بعد الهجوم الكيميائي المزعوم فقد كانت على ما يبدو رمزية وأضيق نطاقاً. وقد كان هناك تأجيل للرد على نحو غير متوقّع، أي بين الوقت الذي وعد به ترامب بالهجوم ووقت حدوثه. لماذا حدث ذلك التأجيل؟ هل كان للأمر ربما علاقة بروسيا؟.
الرئيس الأسد: ثمة وجهان لهذه المسألة كما رأيناها. الوجه الأول هو أنهم لفّقوا رواية وكذبوا بشأن ذلك، والرأي العام في سائر أنحاء العالم وفي الغرب لم يبتلع روايتهم، لكن لم يعد بإمكانهم التراجع. ولذلك، كان عليهم فعل شيء ما، ولو كان على نطاق أضيق. الوجه الثاني يتعلّق بالموقف الروسي، حيث أعلن الروس حينذاك، كما تعلم، أنهم سيدمّرون القواعد التي ستستخدم في إطلاق الصواريخ، معلوماتنا، وليست لدينا أدلة على ذلك بل مجرد معلومات لكنها معلومات ذات مصداقية، أن الغرب كان يفكر بشن هجوم شامل على جميع أنحاء سورية، ولذلك فإن التهديد الروسي دفع الغرب لتقليص ضربته وجعلها على نطاق أضيق.

ترامب لا يحرّك أي مشاعر بالنسبة لي

فيما يتعلّق بعلاقة الولايات المتحدة بكم، لقد وصفكم الرئيس ترامب، وأقتبس، بـ “الأسد الحيوان”. هل لديكم لقب تطلقونه على الرئيس الأمريكي؟.
الرئيس الأسد: هذه ليست لغتي، ولذلك لا أستطيع استخدام لغة مماثلة. هذه لغته هو. إنها تمثّله. لدينا قول معروف هو أن “الكلام صفة المتكلم”. فهو بهذا الكلام يعبّر عن نفسه، وهذا طبيعي. في كل الأحوال، فإن ذلك لم يحدث أي تأثير في نفسي، ولا ينبغي لمثل هذه اللغة أن تحدث أي تأثير في نفس أي شخص. الشيء الوحيد الذي يؤثّر فيك هو ما يقوله الناس الذين تثق بهم، الأشخاص المتوازنون، العقلاء، اللبقون، الأخلاقيون. هذا ما ينبغي أن يؤثّر فيك، سواء كان إيجابياً أو سلبياً. إن شخصاً مثل ترامب لا يحرّك أي مشاعر بالنسبة لي.

الواقع المجرّد.. لا حرب أهلية في سورية

فيما يتعلّق بالرئاسة الأمريكية، هناك شيء مثير للاهتمام، شيء فكرت فيه قبل مدة، هناك الآن في سورية قوات من خمس قوى نووية منخرطة مباشرة في عمليات عسكرية في سورية، سواء باستخدام قوات على الأرض أو عبر الضربات الجوية. وبعض هذه الدول تقاتل على جوانب مختلفة من الصراع. والحالة هذه، كيف لا يزال من الممكن بالنسبة للبعض أن يصفها بالحرب الأهلية؟.
الرئيس الأسد: لقد استعملت عبارة الحرب الأهلية على نطاق واسع منذ بداية الصراع في سورية، حتى من قبل أصدقائنا وحلفائنا عن طريق الخطأ، ودون فهم لمحتوى ومعنى هذه العبارة. إن عبارة الحرب الأهلية السورية تعني أن هناك خطوطاً طائفية قائمة على أساس وجود الإثنيات أو الطوائف أو الأديان أو ربما الآراء أو التيارات السياسية. وهذا ليس موجوداً في سورية. في الواقع، وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، وهي الآن تشمل معظم سورية، هناك كل هذا التنوّع. وبالتالي فإن عبارة الحرب الأهلية ليست صحيحة. الموجود فعلياً ومنذ البداية هو مرتزقة، سوريون وأجانب يدفع لهم الغرب من أجل إسقاط الحكومة. هذا هو الواقع، الواقع المجرّد، الواقع الواضح لكل من لديه نظر. كل ما عدا ذلك هو مجرد أقنعة لتغطية النوايا الحقيقية، أعني الحديث عن اختلافات سياسية، ومعتدلين، ومظاهرات سلمية. نحن ليس لدينا حرب أهلية في سورية، ولو كان هناك حرب أهلية لمدة سبع سنوات، لكانت سورية قد تقسّمت الآن، لو كان ذلك صحيحاً لما كان هناك بلد موحد، ومجتمع موحّد. لا أعني من الناحية الجغرافية، لأن هناك الدمى التابعة للولايات المتحدة وتلك التابعة لتركيا على الأراضي السورية. لو كان صحيحاً أن هناك حرباً أهلية لكان البلد قد انقسم اجتماعياً. اذهب بنفسك وتعامل مع مختلف أطياف المجتمع السوري وستتمكن من الإجابة عن هذا السؤال بالطريقة نفسها التي أجيبك بها.

بحاجة لتحاشي الحماقة الأمريكية

فيما يتعلّق باحتمال التصعيد، هناك قوى تعمل بالوكالة من جميع هذه القوى النووية الخمس، إضافة إلى القوى الأخرى المنخرطة في سورية، لكن بوصفكم رئيساً، لا بد أن لديكم معلومات. ما مدى اقترابنا خلال هذه الحرب من التصعيد بين هذه القوى النووية؟.
** الرئيس الأسد: في الواقع، كنا قريبين من حدوث صراع مباشر بين القوات الروسية والقوات الأمريكية. ولحسن الحظ تمّ تحاشي ذلك الصراع ليس بفضل حكمة القيادة الأمريكية، بل بفضل حكمة القيادة الروسية، لأنه ليس من مصلحة أحد في هذا العالم، وبالدرجة الأولى السوريين، حدوث مثل هذا الصراع. نحن بحاجة للدعم الروسي، لكننا في الوقت نفسه بحاجة لتحاشي الحماقة الأمريكية كي نتمكّن من تحقيق الاستقرار في بلادنا.

إما أن يكون لنا بلد أو لا يكون

باختصار، سؤال أخير. مع اقترابنا من نهاية الصراع، بتقديركم، هل خطر التصعيد في ازدياد أو في تراجع؟.
الرئيس الأسد: كما قلت في البداية، كلما اقتربنا من النهاية أرادوا جعل هذه النهاية أبعد. ماذا يعني ذلك، كلّما تمكّنا من تحقيق الاستقرار، ازداد خطر التصعيد. وكلما حقّقنا المصالحة في منطقة، ازدّاد القتل والدمار ومحاولات السيطرة على المزيد من المناطق من قبل الإرهابيين. لهذا السبب، كلّما كانت تبدأ المصالحات في العديد من المناطق، حاولت الفصائل الأخرى في المناطق نفسها أن تفشلها، لأنها كانت تتلقى الأوامر من الخارج بألا تتحرّك نحو أي مصالحة. وبالطبع فإن تلك الأوامر تأتي مدفوعة الثمن. وبالتالي، فإن ما تقوله صحيح، لكن كلما ازدادت حدة التصعيد، ازداد تصميمنا على حل المشكلة لأنه ما من خيار آخر لدينا، فإما أن يكون لنا بلد أو لا يكون.
سيادة الرئيس، شكراً جزيلاً لكم على هذه الرؤى وشكراً جزيلاً على ترحيبكم بنا هنا ومنحنا هذا القدر الكبير من وقتكم. نتمنى لكم وللشعب السوري كل الخير وأن تتمكّنوا من وضع نهاية سريعة لهذا الصراع الرهيب. شكراً جزيلاً سيادة الرئيس.
الرئيس الأسد: شكراً لكم مرة أخرى على قدومكم إلى سورية.