المخدرات والجريمة.. بين الوقاية والعلاج
تمثل المخدرات أزمة خطيرة على المستويات كلها، تطال مساوئها الكثير ممن يسقطون في براثنها إذ تحولهم إلى أناس غير قادرين على التوافق السليم مع مجريات الحياة اليومية، مما يشلهم ويجعلهم عالة على أسرهم ومجتمعاتهم. كما يعرّض السلوك الإجرامي كيان المجتمع وسعادته ومصيره للخطر والتدهور بما يخلفه من آثار سلبية تترك بصماتها السوداء عليه وعلى أفراده.
من هنا تنبع أهمية وضع دراسة تتناول في مضمونها المخدرات والجريمة للمساعدة في التقليل من حجم هذا الأمر، ومن ثم الحصول على إنسان يتمتع بشخصية سوية قادرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين.
وضمن هذا السياق يأتي (عالم المخدرات والجريمة بين الوقاية والعلاج) لمؤلفه: د. معمر نواف الهوارنة، الذي قدم لكتابه بمقدمة بيّن فيها أهمية هذا الكتاب كونه يتناول أهم الوسائل والطرق التي تعيد المدمنين، والمجرمين إلى الطريق السليم، وإلى أحضان المجتمع؛ إلى جانب كونه يفيد الكثير من الباحثين، والمتخصصين، والآباء، والقضاة، ورجال الأمن وغيرهم من المهتمين بموضوع الجريمة والمخدرات.
قُسم الكتاب إلى عشرة فصول حوى كل منها جملة من الأبواب التي تناولت في موضوعها الحديث عن المخدرات والجريمة، انطلاقاً من المفهوم العام لكل من هذين المصطلحين، ثم الشروع بتفنيدهما، وبيان سبل وطرق الوقاية والعلاج منهما.
وبيّن المؤلف أن تاريخ استخدام الإنسان للمخدرات يمتد لآلاف السنين؛ بيد أن جرائمها وإدمانها أصبحا في عصرنا الحالي من أخطر المشكلات التي تواجه غالبية المجتمعات لما يقترن بها من سوء التوافق النفسي، والاجتماعي، في إطار البيئة الثقافية التي يعيش فيها الشخص المدمن. مؤكداً على دور العولمة بما تحمله من أفكار فجة، والفضائيات بما تبثه من موضوعات مثيرة للشباب والناشئة في تفشي هذه الظاهرة في مجتمعاتنا العربية.
بعد ذلك يشرع د. الهوارنة بالحديث عن أنواع المخدرات مميزاً بين ثلاثة أنواع لها، وهي: (المثبطات، والمنشطات، والمهلوسات)، وما تخلفه من آثار صحية ونفسية على الشخص المدمن، إلى جانب الخسارة القومية نتيجة المبالغ الضخمة التي تنفق في الحصول على مواد التعاطي، واعتلال صحة المدمن؛ لينتقل للحديث عن العوامل المسببة للإدمان والتي يرى أنها كثيرة ومتداخلة ومتفاعلة فيما بينها، غير أنها قد تكون مرتبطة بالجانب الذاتي، والجانب البيئي، إلى جانب عوامل تتعلق بالمخدرات نفسها.
أما عالم الجريمة فيدلفه المؤلف بادئاً الحديث بتعريف الجريمة، والمجرم، والضحية، مؤكداً أن علم الجريمة والانحراف علم واسع ومعقد، كما أن معظم الدراسات العربية والأجنبية في هذا المجال تدل بوضوح على أنه قد أصبح لدى العلماء والباحثين والمفكرين اقتناع بوجود عوامل موضوعية وراء الإجرام، تشرك المجتمع ومؤسساته في المسؤولية عن السلوك الإجرامي، أو تخفف من العقاب على الجاني، أو تدرأ العقوبة بإخراج الجاني من نطاق المسؤولية الأخلاقية عن فعله، وهي العوامل نفسها التي دعت المشرّعين إلى تصنيف الجرائم حسب شدتها إلى: جناية، وجنحة، ومخالفة.
بعدها ينتقل د. الهوارنة للحديث عن جرائم العصر، والجرائم الجنسية، معرجاً على نظريات تفسير الجريمة التي تحاول كل منها أن تحدد “العامل” في تكوين السلوك الإجرامي، وهذا العامل هو الذي تتجمع حوله سائر العوامل فيقودها إلى السلوك الإجرامي، وأهمها: (النظرية البيولوجية، والنظرية الاجتماعية، والنظرية النفسية).
ليصل في النهاية إلى سبل الوقاية والعلاج من المخدرات والجريمة مؤكداً أن الوقاية من الإدمان مسؤولية مجتمعية شاملة تتضمن مكافحة إنتاج مواد التعاطي، وتقليل العرض، ومقاومة الطلب. وهي من أهم مسؤوليات الأسرة والمدرسة والإعلام ومجال العمل. وكذلك الأمر بالنسبة للوقاية من الجريمة إذ إن التربية والتنشئة يمكن أن تكونا فعّالتين في الحد من السلوك الإجرامي. وعليه ينبغي علينا للتقليل من حجم الانحراف والجريمة أن نتوجه بادئ ذي بدء إلى جذورها، أي إلى الطفولة؛ فالأسرة والمدرسة هما البيئة الأولى التي تغرس فيها بوارق المستقبل القادم.
الكتاب صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ويقع في 286 صفحة من القطع الكبير.
سلام الفاضل