ثقافةصحيفة البعث

فائق عرقسوسي: المسرح لعبة عشاق

 

تابعه المشاهدون مؤخراً في مسلسل “ليزهر قلبي” للمخرج خالد الخالد، وهو دراما اجتماعية لها علاقة بالعوالم التي نعيشها والآثار النفسية والسلوكية والتبدلات التي طرأت على الإنسان السوري بشكل عام خلال الأزمة، كما انتهى مؤخراً من تصوير مشاهده في مسلسل “حين يتحدث الأطفال” للمخرج أسامة شقير، في حين غاب عن الأعمال التي تُقَدَّم حالياً ضمن شهر رمضان لتأجيل عرض مسلسل “هوا أصفر” للمخرج أحمد إبراهيم أحمد والذي حل ضيفاً فيه.. وعن قلة عدد أعماله نسبياً يؤكد الفنان فائق عرقسوسي أنه يبحث عن شخصيات لم يسبق أن قدمها في الدراما، شخصيات تنقله إلى عوالم لم يسبق له العمل فيها، لذلك تبدو الخيارات أمامه قليلة في هذا الاتّجاه.

وقائع العام المقبل

عاد عرقسوسي من مصر بعد أن أمضى فيها عدة سنوات للدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة، وكان فيلم “وقائع العام المقبل” للمخرج سمير ذكرى أول عمل يشارك فيه بعد عودته، وبعد عدة سنوات شارك في فيلم “الكفرون” مع دريد لحام، ومن يومها غاب عن السينما لأسباب عديدة ومختلفة، وحين يتوقف فائق عرقسوسي عند بعض الأعمال السينمائية التي شاهدها يتحدث عن فيلم “صديقي الأخير” للمخرج جود سعيد، فمنذ أن شاهد هذا الفيلم شعر بنوع من الاطمئنان على الحركة السينمائية السورية كون سعيد من الجيل الجديد الذي استطاع تكوين شخصية خاصة به، وقد كان هذا الفيلم أولى تجارب سعيد وكان فيلماً -برأي عرقسوسي- جميلاً وشفافاً، وكذلك فيلم “ردّ القضاء” للمخرج نجدت إسماعيل أنزور الذي رصد فيه مرحلة مهمة من المراحل التي مرت بها سورية.

ملعب مهم للممثل

ويعترف عرقسوسي أن انشغالاته جعلته يبتعد عن المسرح والسينما التي يعشقها لأنها ملعب مهم للممثل، وهي بمثابة كتاب يُقرأ وقادر على تكوين ثقافة كبيرة بعكس التلفزيون الذي يميل لما هو سائد ومطلوب ومستهلَك.. ويأسف لأن دُور السينما في سورية تتناقص أعدادها بدلاً من زيادتها، وقد كانت دور السينما في الماضي أكثر عدداً ومن خلالها تعرف الناس على فن السينما وفيها شاهدوا أهم الأفلام العالمية وتعرفوا على أهم الممثلين في العالم، أما اليوم فقد اختلفت علاقة الناس بفن السينما، وقد أثّر التلفزيون بشكل كبير على وضع هذا الفن، إضافة إلى التبدلات والتغيرات التي تحدث في المجتمع، حيث انقلبت المفاهيم والمعايير، واختلفت أمزجة جمهور وصنّاع فن السينما بحيث أصبح الربح هو الهدف الأساسي لمن يعمل فيه بعيداً عن التربية الثقافية الناضجة التي كانت سائدة في مرحلة من المراحل.

تجربة خاصة ومتفردة

عندما كان الفنان فائق عرقسوسي يدرس في القاهرة تنبأ له الكثيرون أن يعمل في الإخراج، في حين أنه كان عاشقاً للتمثيل، أما الإخراج فكان وسيلته التي يلجأ إليها بهدف تقديم رؤى فنية معينة لأفكار أراد أن يعبّر عنها، مشيراً إلى أنه أخرج في دمشق عدة أعمال مسرحية مثل “الليلة الثانية في الألفية الثانية-حلم ليلة صيف” بالإضافة إلى مونودراما “ومضة” التي قدمها بعيداً عن الأساليب النمطية التي تُقَدَّم عادة في المونودراما، محاولاً البحث عن عوالم تخص الشخصية دون أي تماس مع جمهور المسرح كما كان سائداً، مؤكداً أنها كانت تجربة خاصة ومتفردة.

وعن مسرحية “الثرثرة الأخيرة للماغوط” والتي كانت آخر عمل له كمخرج وقُدِّمت عام 2013 في مدينة اللاذقية يقول عرقسوسي: إن العمل يقدم إضاءة مسرحية على فكر الكاتب محمد الماغوط وفلسفته التي يمكن القول إنها انعكاس شفاف للوضع الراهن، فالعرض مبنيّ على فرضية حضور الماغوط في هذا الزمن ليصير أحد شخوص العالم الراهن بروحه ورؤيته الخاصة، إذ ينظر ويحاكم ويفضح ويكشف ويتألم ويحزن، مقدماً عبر هذا كله آراءه وفكره الخاص بما يشابه فلسفته المعروفة عبر كتاباته الإبداعية، مستثمراً عرقسوسي كمخرج العناصر الإخراجية بما ينسجم والمستوى النفسي للماغوط في ذكرياته وأفكاره وأحلامه والشخوص التي عبرت في حياته، خاصة زوجته الأديبة سنية صالح.

أمن إنساني

المسرح بالنسبة لعرقسوسي لعبة عشاق، وبالتالي فإن الإبحار فيه يحتاج إلى حالة أمن إنساني عالٍ، آسفاً لأن حياتنا القائمة على التقلبات وصغر العالم والخيارات غير الواضحة غيّرت وضع المسرح في بلدنا، موضحاً عرقسوسي أنه ميّال للصورة في المسرح بعناصرها المتعددة لأن الكلمة خداعة قد تقال وتُفهم بشكل من الأشكال.. من هنا يرى أن الاهتمام بالصورة والسينوغرافيا في المسرح يخلق انطباعاً يترسخ أكثر، لذلك فهو ميال للمدرسة التعبيرية.

وختم الفنان فائق عرقسوسي كلامه بالتأكيد على أننا ما زلنا في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية لا نعرف كيف نروّج لأعمالنا لأن الترويج ليس من أولوياتنا، مع أنه وسيلة غاية في الأهمية لتحريض الجمهور على المتابعة، كما أن فنوننا تفتقد للخط والرؤى والأهداف الواضحة.

أمينة عباس