علم النفس “الميسر”.. وفلسفة الاغتباط الطبيعي
“كتبت هذا الكتاب إليكم يا من لم تقرؤوا كتاباً قط يتعلق بالتطور الشخصي، لأن أسئلة حياتكم المهمة ليست موجودة في الكتب، وأنتم تعرفون ذلك، وأنا أوافقكم الرأي، لا يكفي قراءة كتاب واحد من أجل العثور على حلول، إن الجواب على السؤال الآتي: لماذا لا تقدم كتب التطور الشخصي لي شيئاً مهماً؟ يفسر لماذا القراءة لا تكفي في أي حالة من الحالات ربما لم تقرأ سابقاً كتباً لها علاقة بالتطور الشخصي، لأن لديك إحساس أن أحداً لن يفهم مشكلاتك، لا يمكن لأحد أن يضع نفسه مكانك ولا أن يحيا حياتك ولا أن يشعر بمشاعرك، صحيح أنه لا يوجد أحد يتعرض تماماً للظروف الخاصة نفسها، ولا أن يعاني من الصدمات النفسية نفسها، ولكن يمكننا أن نعبّر بالطريقة نفسها عن هذه المشاعر التي تعصف بنا. نحن نعرف بوصفنا كائنات بشرية ما هو الحزن والكآبة، وما هو الغضب وما هي الرغبة وما هو إحساس اللاجدوى واليأس”.
علم النفس “الميسر” (نحن جميعاً نمتلك وسائل ضرورية لإعطاء معنى لوجودنا) -الكتاب الشهري لمجلة الأدب العلمي نيسان 2018- كتاب من كتب التطور الشخصي من تأليف سوزانا مكماهون وترجمة أ.د.غسان السيد يسعى الكاتب من خلاله تقديم رسالة هي: كن صادقاً مع نفسك، وأحبب نفسك وأعرف قيمتك وجمال طبيعتك الإنسانية، حيث تسمي المؤلفة فلسفتها البسيطة التي تقدمها في هذا الكتاب فلسفة الاغتباط الطبيعي التي تأتي مباشرة من تقدير الذات، ومن الاندماج الاجتماعي.
الإبداع هو إنتاج المختلف، ويمكن القول أن سوزانا مكماهون قد أبدعت في طريقة تقديم هذا الكتاب من خلال بنائه على ثلاثة وثمانين سؤالاً وجواباً. علم النفس “الميسر” كتاب موزع على أربعة فصول رئيسية بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة، يحمل الفصل الأول عنوان “أسئلة فلسفية” ويعالج الموضوعات الأكثر عمقاً المتعلقة بحياتنا، وتضع المؤلفة القارئ عبر هذا الفصل بالجو العام للكتاب، وتطرح بعض القضايا الجوهرية التي لا بد من معرفتها قبل الدخول إلى جوهر الموضوعات اللاحقة.
أما الفصل الثاني الموسوم “تعريف المفاهيم” فيعالج نظرياً وعملياً الطريقة التي من خلالها نصل إلى تقدير الذات، ويبدو أن المؤلفة تعتبر تقدير الذات محور عملها، لأنه محور الحياة البشرية المتوازنة مع نفسه أولاً ثم مع الآخرين على المستويات كافة. ويغطي الفصل الثالث المشكلات الشخصية أو الفردية ويحمل عنوان “أسئلة فردية”، أما الفصل الرابع فيحمل عنوان “أسئلة علاقاتية” إذ يعالج علاقة الفرد بمحيطه، فالإنسان، في النهاية، كائن اجتماعي لا يعرف نفسه إلّا من خلال الآخرين، ولهذا خصصت الكاتبة هذا الفصل لكي تشرح جوانب الحياة المشتركة كلها، وتقدم وجهة نظرها من خلال عملها في مجال علم النفس والمعالجة النفسية. وتركت المؤلفة السؤال الأخير للحديث عن الاغتباط الطبيعي الذي يظهر بطريقة تلقائية عند من يمتلك تقدير الذات والاندماج الاجتماعي في الوقت نفسه.
يشكل الكتاب إضافة مهمة إلى المكتبة العربية، وفي مجال علم النفس، وهو مفيد بصورة خاصة لجيل الشباب الذين يبدؤون مسيرة حياتهم وهم يجهلون كثيراً من الجوانب عن شخصيتهم.
نالت المؤلفة سوزانا مكماهون شهادة الدراسات العليا من جامعة هوستن قبل أن تعمل لصالح الحكومة الاتحادية الأمريكية في تكساس ثم في ألمانيا، أدارت قسم الصحة العقلية في مدريد في إسبانيا. وتقول في مقدمة الكتاب أنه يلخص سنواتها العشر التي قضتها في تجربة العلاج النفسي، وبدأت باستقبال مرضى في مستشفى المحاربين القدماء في هوستن في تكساس، وقد عملت هنا مع محاربين قدماء قاتلوا في فيتنام ولديهم صدمة نفسية بسبب تجربة الحرب، وعملت بعد ذلك في ألمانيا مع أطفال الجيش الأمريكي، ثم انتقلت إلى إسبانيا وأدارت قسماً للصحة النفسية في مدريد.
جمان بركات