مذكرات عشيقة سابقة.. ازدحام قصصي وثغرات أخرى
أكثر من قصة تسير بخطوات مرتبكة في سياق التقدم المتسلسل للأحداث في مسلسل “مذكرات عشيقة سابقة”نور شيشكلي-هشام شربتجي”، بغض النظر عن الأسلوب الذي تمّ فيه لقاء الشخصيات بالعمل عموما، كصدفة الدرج بين كل من هنادي وعابد مثلا على ركاكتها؛ قصة الزوج والزوجة والعشيق واحدة، قصة، الأختان “هدى-هنادي” قصة ثانية، قصة الحرب الدائرة بين “الشخصية” التي أداها “باسم ياخور” والشخصية التي أداها “محمد حداقي” هذه أيضا قصة ثالثة، قصة الأم والابن الذي فقد أخيه عندما لم يستطع أن يفاوض على بقائه حيا، فعاد ميتا وصارت العلاقة بين الأم المثالية والابن في أسوأ أشكالها، أيضا حكاية “نبيل-أدى دوره الفنان سعد مينه- ونساءه اللواتي يعملن بأقدم مهنة في التاريخ تحت رعايته، أيضا قصة الكاتبة وعشيقها الشاب الطموح، بالإضافة إلى القصة الأساس أو تلك التي تتجمع معها باقي القصص،وهكذا يضم العمل الذي يحمل عنوانا واضحا وجليا “مذكرات عشيقة سابقة”، أكثر من حكاية تستطيع أن تكون لوحدها فكرة عمل تلفزيوني متسلسل، حتى لو اختلف زمن العمل، أي لم يعد يمتد لثلاثين حلقة، لكن الشركات المنتجة ونظام الموسم الرمضاني، وحتى المقابل المادي بالنسبة للكتّاب، كل هذا يشكل مانعا في رؤية المشكلة التي يعاني منها العمل، والتي تتلخص ببساطة بازدحام القصص فيه، لأن القصة الأساس ضعيفة، مكررة، لا جانب إنساني يقدمها، ولا ضرورة درامية تفرضها لتجعلها الحكاية الأهم، عدا عن كمية المشاهد الرومانسية، التي يضج بها العمل كاحتفال، خصوصا في حلقاته ال 15 الأولى، هذا الازدحام القصصي في العمل، سيسير ضمن سياق المشكلة نفسها، على جعل سير خط هذه الشخصيات، يتلاقى حسب مصادفات واهية وركيكة.
بالتأكيد وجود هذا الحشد من النجوم، عدا عن الترويج الإعلاني الهائل للعمل، دون أن ننسى وجود اسم مخرج كبير على شارة العمل من عيار “هشام شربتجي، مع أغنية شارة رومانسية لا علاقة لها بالعمل، أداها المغني الرومانسي “مروان خوري” وعرضه على أكثر المحطات متابعة وفي ساعة الذروة، كل هذا جعل للمسلسل جمهوراً يتابعه، وحصد لنفسه مكانا على المائدة التلفزيونية لهذا الموسم، وذلك ببطاقة ذهبية، حملتها النجمة الذهبية للعمل “نيكول سابا” على حساب الفنانين المحليين، الذين جاؤوا في العمل، ليكونوا “البرواز” أو الخلفية المناسبة لتلميع البطلة اللبنانية، ولتكن مشاهدها هي المتصدرة على الجميع، ولنشاهد شخصية لممثلة نجمة، لا نعلم متى فقدت حبها لزوجها، لتقع في حب عشيقها، لكن هذا لا يثنيها عن متابعة حياتها العادية مع ابنة طفلة، وزوج لم يظهر كما تصوره الأحاديث التي تدور عن كونه شريرا لا يتوانى عن فعل أي شيء لا أخلاقي مقابل المال، بل على العكس، الرجل يعرّف عن نفسه بكونه “لا مع هدول ولا هدول أنا وسيط”، وهكذا ينتفي شرط صراعه مع “كمال-أدى دوره الفنان محمد حدقي”، في مرور باهت أيضا على خط الأزمة السورية، وما رافقها من عمليات خطف وفك رهائن وقتل الابن أمام أبيه؛ خط درامي بلا معنى، لكنه لأجل التصعيد الدرامي الأدريناليني عند المتفرج الذي أرهقه في الواقع رؤية هذه المشاهد بكثرة في الواقع الحقيقي، إلا ربما في جعله حجة للمرافقة التي تطير بسياراتها الفخمة خلف “المعلم” وهو نازل طالع من إلى بيروت.
العمل من النوع الاجتماعي، ويحمل جرعة عالية من الحالات شديدة الرومانسية في الكثير من المشاهد، التي يكفي الإيحاء فيها، ويحكي عن زوجة تلعب دورها الممثلة اللبنانية “نيكول سابا”، تخون زوجها لسنوات طويلة، وهي معذورة ولكن ليس كثيرا للأسف، فالزوج لم يكن يروق لها لأسباب تمّ تضخيمها لتقوية المبرر، فهو صاحب ماض إجرامي لم يعد يروق لها من الناحية القانونية، وهذه نقطة الضعف الثانية في القصة، تعامل معها المخرج بنجاح، ذلك أن شخصية الزوجة في قصة العمل، لا يروق لها الزوج لأسباب عاطفية أيضا، فها هي تعثر على حل لمشكلة القانون بطريقة لا تخطر على بال، وهي الارتماء في أحضان حب آخر؛ إن ثغرة من هذا النوع في السيناريو، تتمثل في سؤال قد يطرحه الجمهور: ماهي معاناة الشخصية تماما؟، هل تعاني من أن زوجها لديه مواصفات غير قانونية؟ أم أنها تتوق للعثور على حب آخر؟، إذا كان الخلاف حول سلوكيات زوجها غير القانونية، فلماذا تبحث عن الحل بمعية رجل آخر؟، والجمهور قد يسأل أيضا: لو أن زوجها كان زوجا جيدا في الحب، هل كانت لتلاحظ مشاكله القانونية، لأن السنوات الطويلة التي أمضتها في حل مشاكلها “القانو-عاطفية”، تشي بأنها تأقلمت مع الزوج غير القانوني، ومع العشيق العاطفي، فسكن صوت الضمير أو انخفض بعد أن عثرت الشخصية على ما تشتهي من حب وهيام.
الاعتناء بالتفاصيل الإبداعية من قِبل المخرج، ساهم كثيرا في إخفاء تلك الثغرة الكبيرة في النص والتي تتلخص بماذا تريد الشخصية، فأمام مشاهد الغرام المحببة للجمهور العربي، لن يسأل أحد عن تفاصيل من هذا النوع، كالشخصية والحبكة وما إلى هنالك من أمور بسيطة، بما أن الحب الآن قائم على قدم وساق.
تمّام علي بركات