الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

عناق البنادق.. والشرف!

 

حسن حميد

بلى، مازلت أذكر السطر الأخير من رواية الكاتبة التشيلية رامانزا تيلو (يبكي قلبي.. أيضاً): أنا لا أحب الحرب لأنها لا تشبه أمي! وأنا أكره الحرب لأنها لا تشبه بيوت الشام الزينة، وشرفاتها /التلال المرفوعة على الأكف صباح مساء مرآةً تنادد نجوم السماء ببهرتها، ولأنها لا تشبه الحديقة العامة في حلب، ولا نواعير حماة، ولا ميماس حمص، ولا قنوات الري في الرقة، ولا قمح حوران، ولا عنب السويداء، ولا تفاح القنيطرة، ولا بحر اللاذقية وطرطوس، ولا الجسر المعلق في دير الزور، ولا الألسن والعقائد في الحسكة، ولا زيتون إدلب، ولا الغوطة في ريف دمشق! أكره الحرب، مثل غيري، لأن مواليدها هي الفقد، والموت، واللوعة، والغياب، والأسر، والجنون، والتوحش، والخوف، والأسئلة الكاوية، والانتظارات الموجعة، والأحلام التي لا تدنو، والبكاء العميم، والمقابر الوسيعة، والأسى، والندوب الجمار. ولكن للحرب ترسيمات أخرى، وعلامات تماشيها، وأشواقاً تساهرها، ومعاني تكتبها، ومواقف تعبر عنها، ومنها وقفة الشهداء إلى جوار الأشجار إلى جوار البيوت إلى جوار الكتب إلى جوار أدعية الأمهات إلى جوار قيم النبل والفروسية والعطاء، إلى جوار الأصدقاء.. من أجل الدفاع عن لبابة الجوهر/الوطن!

أستلَّ هذا السطر الطويل من هذا الكتاب الكبير الوافي الضافي الذي جاء تحت عنوان راهج كالضوء هو (عناق البنادق.. والشرف)، الذي حبَّر صفحاته نخبة من الأدباء، والكتّاب، والمثقفين، وأهل التعبير، ودار دورة المجد حول معاني الحرب التي شُنت على سورية منذ سنوات سبع وأزيد، وقد جاء الكتاب في مجلدين تعاون على إنجازه وتظهيره إلى حيز الواقع أربعون كاتباً وأديباً ومثقفاً وسياسياً واقتصادياً وأكاديمياً من أجل قولة كلمة حقّ في هذه الحرب التي أخذت من السوريين وأصدقائهم أحلى أوقات الصفاء والسعادة والهدوء والطمأنينة. ولعل اجتماع هؤلاء الكتّاب على إنجاز هذا الكتاب الذي قاربت صفحاته الألف صفحة.. هو أمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ سورية الحديث، لأن الحرب، وعلى هذا النحو المجنون والكارثي تحدث للمرة الأولى، وأهداف الحرب شيطانية عادة، لكنها في هذه المرة كانت أكثر من شيطانية.

الكتاب في كليته صورة وطنية للمباهاة بعزة النفس السورية، والكبرياء لسورية التي لم تخدش بخادش، وأبناؤها يدافعون عنها بالمقدرة المذهلة، وبموازاة هذه الصورة تترادف المواقف، والبطولات، والأحداث، والحادثات، والتواريخ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يبدي الكتاب وجوه التلاحم والمؤاخاة والمؤازرة والفداء والتسابق الشريف على الوصول أولاً إلى دنيا الاستشهاد والتضحية بالأرواح الزكية ما بين إيران وسورية، فيبدي الصور البهّارة المشرقة مثل الشمس التي رسمها قلبان عشقا الحرية والمجد والشهادة هما القلب السوري والقلب الإيراني، في زمن استثنائي، هو زمن الحرب. فقد كانت هذه المعاضدة بين البلدين حالاً نادرة الحدوث في الأزمنة الحديثة، بعدما وضعت إيران جلَّ طاقاتها، مادةً، وبشراً، وعملاً، ومواجهات، وخططاً، وفكراً، وأحلاماً، وأرواحاً في اليد السورية كيما تصير الأشد والأقوى والأكثر ملوحة وهي تواجه الإرهاب والتطرف.

الكتاب أشبه بحديقة للمحبة وهو يبدي معاني الصداقة، والحب، وإصرار أهل الحق عناداً ومناداةً وطلباً للحق كي لا تعمّ الثقافة السوداء أو تشيع. إنه الكتاب الشاهد الذي يرسم الخط البياني لمسار النصر السوري، بمساندة الأشقاء، عسكرياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وإعلامياً، وثقافياً، ووطنياً.. إيماناً بأن الصمود والمقاومة يعلي من شأن الشعوب المظلومة، ويعلنهما.. صيغة عيش!

Hasanhamid55@yahoo.com