رأيصحيفة البعث

أردوغان الحائر

مع اقتراب موعد الرابع والعشرين من حزيران، يبدو رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان أكثر تخبّطاً في سياساته الداخلية والخارجية، وحيرة على أية وسادة يضع رأسه، فهل يمضي قدماً شرقاً، ويبني على ما تمّ التوصل إليه من اتفاقات مع حلفاء سورية، أم يعود ليرتمي في الحضن الأمريكي؟! أما بوصلته في الاختيار، فمصالحه الشخصية، ولا شيء سواها.

أردوغان الحائر، والذي لا تزال الرؤية ضبابية بالنسبة إليه، في ضوء التقلبات الأمريكية، يتبع سياسة اللعب على الحبال، والانتقال بين ضفة وأخرى، حيث يواصل اجتماعاته مع الدول الضامنة وفي  الوقت ذاته يلعب دور المعرقل والمعطّل لأي تقدّم في العملية السياسية، وذلك في إطار بحثه عن مكاسب سياسية عندما تفضي الاجتماعات إلى نتائج لا تضمن له موطئ قدم على الأرض، أو كرسي على طاولة الحوار، وفي الميدان العسكري يتفق مساء مع الروسي بسحب يده من دعم الإرهابيين، الذين يتحرّكون بإيعاز منه، وفي اليوم التالي تتوغل قواته إلى جانب القوات الأمريكية في الأراضي السورية، وذلك حتى لا يقطع الخيط الرفيع الذي لا يزال يربطه بإدارة ترامب.

غاية أردوغان من ذلك شراء الوقت ريثما تنتهي الانتخابات الرئاسية والتي ستكون نتائجها الفيصل في خياراته، حيث إن عدم فوزه من الجولة الأولى، فهو بحاجة إلى تنقية الأجواء في علاقاته الخارجية، حيث أن اتخاذه موقفاً صريحاً لجهة استمراره مع محور الحرب على سورية، أو تنفيذه استدارة كبرى، ومراجعة حساباته بالاتجاه الآخر، وسحب يده دعم المجموعات الإرهابية ستظهر هزيمته علانية، وتجعل فوزه في الانتخابات محفوفاً بالمخاطر، أما فوزه من الجولة الأولى، ووصوله إلى الحكم المطلق لبلاده، ربما يدفعه للقيام بمغامرات مع الشريك الأمريكي والدخول في معترك فصل جديد من الحرب هي في المجمل لن تكون في مصلحته في ضوء تقدّم الجيش العربي السوري على كل جبهات القتال، وتمسك سورية وحلفائها بمواقفهم والتي تتلخص في الحفاظ على وحدة سورية واستقلالها وسيادتها على أراضيها، وعدم السماح للخارج بتقرير مصيرها نيابة عن شعبها.

مما تقدّم يمكن الاستنتاج بأن السبب الذي جعل أردوغان يظهر مواقف تفسّر بأنه في طور الانسحاب من محور الحرب هو ما أفرزه الميدان من إنجازات للجيش السوري مقابل انهيار وتفكك التنظيمات التكفيرية وخلافات داعميها ومموليها في الخليج، وابتعاده عن الاتحاد الأوروبي جراء مواقفه العدائية من دول عدة خلال الحملة الانتخابية بالإضافة إلى عدم وثوقه بإدارة ترامب التي تتبع ذات سياسته في منطقتنا، والأهم من ذلك أزماته الداخلية التي أفرزتها حملة الاعتقالات العشوائية بذريعة الانقلاب الفاشل، والصعود القوي للمعارضة، والذي بات يهدد مشروع أردوغان برمته، وما يؤكد مأزقه استغلاله للمهجّرين السوريين جراء الإرهاب، ومنحهم الجنسية التركية لاستخدامهم في الانتخابات التي على ما يبدو أصبحت خارج متناول يده.

تقلبات رئيس النظام التركي ومعه الأمريكي، باتت محدودة التأثير في المسألة السورية، بل إن تدخلاتهما ستعود بأثر عكسي عليهما في المستقبل القريب، فالإدارة الأمريكية تفقد مصداقيتها جراء انحيازها الأعمى للكيان الصهيوني وانسحابها من المنظمات الدولية كرمى لتغطية جرائمه، فيما أصبح الجميع يدرك بأن أردوغان غدّار، ولا يؤتمن جانبه، ولا يمكن بأي حال الوثوق بتعهداته.

بالمقابل، تتحرك الدولة السورية وحلفاؤها على مختلف الأصعدة، وينفّذ جيشنا عملياته وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا، وها هو يتقدم سريعاً في معركة الجنوب وفي أرياف حمص ودير الزور والحسكة وإدلب، وفي السياسة تنطلق الدبلوماسية السورية من مبدأ الحفاظ على المبادئ واستقلالية القرار، والحفاظ على الهوية العربية، وهي بالتالي قادرة، رغم عرقلات أردوغان وتقلبات ترامب، أن تفرض شروطها، وهذا ما سيظهر بوضوح في الأمد القريب، وسيلعب دوراً رئيسياً في رسم خارطة عالم الغد.

عماد سالم