خلل..!
لم تعد تقتصر العلاقة بين القطاعين العام والخاص على مرض تطفل الأخير على الأول فحسب، بل تعدته إلى أمراض أخرى زادت من أوجه خلل هذه العلاقة..!
فلم يعد خافياً حقيقة افتقاد المعادلة المفترض أنها تضبط العلاقة بين القطاعين – والتي تخول كل قطاع أن يقوم بدوره المنوط به – إلى كثير من توازن واستقرار كفتي ميزانها المتأرجحتين يميناً ويساراً دونما الأخذ بعين الاعتبار ما سيحققه كل طرف..!
والسبب بذلك يعود – وفق اعتقادنا – إلى عدم تضافر كلا القطاعين في وحدة متكاملة لا يطغى فيها أو يتعدى أحدهما على الآخر، ليستطيعا السير بتناغم وانسجام بما يحقق المصلحة العامة، وذلك من خلال أن يقوم الأول بالتخطيط الاستراتيجي ضمن رؤية واضحة تحدد مسار الثاني ويشرف عليه ويضبط حركته ونشاطه الاستثماري والتجاري – ولاسيما بعد حصوله على الكثير من المزايا التشجيعية – حتى لا يخرج عن القوانين والأنظمة النافذة، ولا يقع – بالوقت نفسه – في مطب الطفل المدلل ويتحول تدريجياً إلى طفيلي يعتمد في نموه –على سبيل المقال لا الحصر- على مشاريع المقاولات العائدة للقطاع العام..!
ووفقاً للدور الاستراتيجي المفترض للقطاع العام.. يجب أن يتولى الأخير مسؤولية الإشراف والمتابعة الكلية لنشاط القطاع الخاص، وتصويب مساراته الاقتصادية وكذلك الاجتماعية، مع بسط سيطرته على القطاعات الاستراتيجية الخدمية والإنتاجية دون الخاص، وألا يدخل معه بمنافسة في بقية القطاعات.. بمعنى أن يكمل بعضهما الآخر في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. فالهاتف والبريد والتدريس والكهرباء وغيرها يجب حصرها بيد القطاع العام ولا يتدخل فيها نهائياً القطاع الخاص، ولعلنا لا نبالغ بقولنا: إن تجربة منافسة الخاص للعام في مجال التدريس أثبتت فشلها، وأصبحت المنافسة على حساب الارتقاء بمستوى التعليم، وكذلك الأمر في مجال النقل الداخلي حيث استغل المستثمرون حاجة المواطن اليومية لهذا الموضوع الحيوي ولم يبالِ بتقديم الخدمة المناسبة..!
أما نشاط القطاع الخاص فيجب أن يشمل كل مقومات التنمية من خلال اجتهاده باتجاه إقامة استثمارات إنتاجية قوامها الأساسي الاشتغال على العناقيد الصناعية كحامل أساسي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك ضمن سياق التوظيف المحكم لها في خارطة استثمارية ذات أبعاد استراتيجية.
فبذلك يمكن بالفعل ضبط العلاقة بين القطاعين، وبالتالي تبديد ما يمكن أن يتمخض عن الخلل القائم نتيجة ضبابية العلاقة الحالية، من تجاوزات ليس أولها فتح أبواب الرشاوى والدفع من تحت الطاولة ومن فوقها، وليس آخرها حالات الاحتكار الكبرى وما جلبته من أرباح تقدر بالمليارات وليس بمئات الملايين خاصة في هذه المرحلة بالذات وما أفرزته الأزمة الحالية من تداعيات، أظهرت تخلي كثير من رموز القطاع الخاص عن دورهم الاجتماعي، من خلال إقدام بعض منهم على المتاجرة غير الإنسانية بأساسيات المستهلكين، ومغادرة البعض الآخر للاستثمار خارجاً متنصلين من أية التزامات ومتناسين ما حصلوا عليه من امتيازات حكومية سابقة..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com