القضاء المتطور والتفتيش المتنور أبرز مدخلات الاقتصاد الحقيقي
تتطلب مقتضيات الصالح الوطني الإشارة إلى مواقع الخلل أياً كان مكانها وزمانها وموضوعها، حال التأكد من حيثيات الخلل المشار إليه، ولكن البعض قد يرى أن وزارة العدل (وتحديداً القضاة، لا بل أن بعضهم يشمل المحامين بحجة أنهم أحد جناحي العدالة) مستثناة من هذه الإشارة، إذ من غير الجائز اتهام القضاء بالخلل، كونه هو السلطة الأعلى المعنية بمكافحته، والنص القانوني يقول “لا سلطة على القضاء”، بل البعض يحذر من العواقب القانونية لهذا الاتهام، ولكن هذا التخدير والتحذير في غير مكانه، وخاصة عندما نجد أن بعض الرسميين المسؤولين في الجهات القضائية العليا المعنية، هم الذين يشيرون إلى حالات من هذا الخلل ويؤكدون وجودها ووجوب معالجتها، وفي مقدمة هؤلاء السيد وزير العدل القاضي هشام الشعار، الذي سبق أن أكد وجود هذا الخلل خلال اجتماعه مع قضاة الجزاء، بقاعة المحكمة في القصر العدلي، أواخر تشرين الأول من العام الماضي، حيث أعلن عن تلقي الوزارة العديد من شكاوى المواطنين حول تصرفات بعض القضاة، وأن هذه التصرفات خاطئة، وتشكل خللاً قضائياً غير مقبول، وكشف أن هناك خللاً في النيابة العامة، وهذا لا يمكن أن تقبله المؤسسة القضائية، وأضاف هناك قضاة يؤجلون بعض الدعاوى عدة مرات لإطالة أمد التقاضي، وفي هذا ضرر كبير للمتقاضين، كاشفاً عن وجود دعاوى مضى عليها أربعون سنة، ولم تفصل حتى الآن، مستغرباً أن تتأخر مثل هذه الدعاوى لتلك المدة، وأن عدداً من محاكم جنح الاستئناف لا يصعد إلا قاضٍ واحد على منصة المحكمة، وهي محكمة جماعية مؤلفة من ثلاثة مستشارين.
أيضاً سبق أن أكد الوزير الشعار (خلال حضوره لقاء لرئيس الحكومة مع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، خلال حزيران من عام /2017 / ) وجود ارتباط وثيق بين عمل القضاء والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، مبيناً أنه بمقدار ما تكون القضايا التي تحقق فيها الهيئة، مكتملة ومستوفية الشروط، ومدعمة بالأدلة والوثائق، تمكن من قناعة القاضي لاعتمادها في المحكمة، وخلال نفس الاجتماع أشار رئيس الحكومة لتراكم الملفات التفتيشية غير المنجزة، والعائدة لعشرات السنوات، وقال إن كل عامل أو مفتش لا يجد بنفسه النزاهة والكفاءة على القيام بواجبه، يمكنه طلب النقل إلى خارج الهيئة، وإن لدى الحكومة العديد من البيانات والمعلومات حول بعض حالات التجاوز في بعض الملفات، وأسماء العديد من المفتشين القائمين على إنجاز هذه الملفات وتمريرها، وسوف يتم محاسبة هؤلاء ومعالجة التجاوزات الحاصلة، ووجه بإعداد مصفوفة تتضمن جميع الملفات القديمة والملفات التي تعدها الهيئة لمعالجتها، ووضع برنامج زمني لاستكمال معالجتها.
مدعاة للسرور أن لدى رئاسة مجلس الوزراء برنامج متابعة لرؤى ومشاريع الوزارات ونسبة تنفيذها والصعوبات والمقترحات، ففي الأسبوع الأول من حزيران الماضي استعرض المهندس خميس رئيس مجلس الوزراء – خلال اجتماعه مع وزارة العدل – ما تم تنفيذه من رؤى ومشروعات وزارة العدل، والصعوبات والتحديات ومقترحات تذليلها، وتقرر خلال الاجتماع ضرورة وضع استراتيجية لتطوير عمل الوزارة خلال /15/ يوماً وتحديد الأهداف والأولويات والآليات التنفيذية لتحقيقها ضمن برنامج زمني محدد، مع التأكيد على ضرورة أن يتمتع القائمون على مؤسسات العدل بالكفاءة والخبرة والنزاهة، وضرورة وضع آلية لمتابعة وتقييم مستمر لأداء القضاة وتسريع إجراءات التقاضي، لافتاً إلى أهمية أن تكون آلية عمل الوزارة في الإطار الصحيح، وأن تكون مؤشرات العمل القضائي بأعلى المستويات، بهدف تعزيز قوة مؤسسات الدولة، وتم التطرق إلى محور أتمتة العمل القضائي، بما يساعد في تسريع إجراءات التقاضي وضبط مسار الدعاوى إلكترونياً وحفظ الوثائق، وأشار إلى أنه قد تم وضع آلية جديدة لاختيار القضاة.
يبقى الأمل معقود على تكثيف الدور الرسمي والشعبي، لتحقيق المزيد من النزاهة المطلوبة في جميع الجهات القضائية والرقابية، ما يجعل من المفيد بل الضروري نشر القضايا التي تحقق فيها إدارة التفتيش القضائي.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية