ثقافةصحيفة البعث

“الشيء” بين رعب الرواية.. والفيلم

 

“الشيء” أهم وأضخم روايات الكاتب الأمريكي، ستيفن كينغ إلى الآن، وتم تحويلها إلى أكثر أفلام الرعب إثارة، يسافر بنا كينغ بعيداً إلى بلدة ديري الشمالية، قالباً كل شيء فيها رأساً على عقب، تلك المدينة التي تشبه كثيراً بلدته الأم، لذا نشاهد دقة في توصيف معالمها، طبعاً مع إضافة سحرية لمقادير تخيليّة زَانها بإتقان.

وتعتبر كتابات كينغ معياراً لأدب الرعب (حائز على ميدالية مؤسسة الكتاب القومية لإسهاماته البارزة في الأدب الأمريكي، بِيع أكثر من 350 مليون نسخه من كتبه حول العالم)، وصدرت رواية “الشيء/IT” بطبعتها الأولى عام 1985، وهي أكثر الروايات مبيعاً على الإطلاق بحسب “نيو يورك تايمز” الفائزة بجائزة الخيال البريطانية لعام 1987، وتدور الأحداث في خطين زمنيين متناوبين، الأول أواخر الخمسينيات، بداية اختفاء الأولاد مع مقتل جورجي، أما الثاني بعد سبعة وعشرين عاماً عندما تبدأ موجة جديدة من القتل والرعب.

يجعلنا الكاتب نعيش مع كل شخصية وندرك أبعادها وحياتها وكأننا على معرفة سابقة بها، فقد استدعى كينغ كل مشاعر الخوف التي يمكن أن تتملكنا في الأحداث، من خوف جورجي من القبو وحتى الخوف من اللعب في البرية أو المكتبة العامة، ونظنّ في البداية أنّ “الشيء” (أو المهرج) يتغذّى على خوف الضعفاء ولكن كلما أبحرنا إلى عمق الرواية تبين لنا تلاعب كينغ بنا كما يتلاعب “الشيء” بضحاياه.

نتعرّف تدريجياً على سوء المجتمع في بلدة ديري، الباردة التي لا يكترث فيها أحد لموت أو حياة وبالتالي الانتصار على “الشيء” ومشهد عودة بيل إلى البلدة ليجد أغلب الذكريات قد تهدمت وحل محلها البنوك والمولات يصور المادية التي تجذرت في المجتمع، ولكن السؤال المطروح حقاً، ما الذي يجعل سبعة أطفال من ذوي الاحتياجات (أو مشوهين) ينجحون في التصدي لمن قام البالغون في القرية بتركه وشأنه لأن لا حول ولا قوة لهم معه!؟

تُعرَف براعة الأطفال في معالجة مسألة الموت، وهم أفضل من البالغين في تفسير ما لا يمكن تفسيره في حياتهم الطبيعية، فهم يؤمنون ضمنياً بالماورائيات، ويأخذون في الحسبان الخرافات كما المعجزات، فالشيء بالنهاية هو قوة خارقة من الكون.

ينتهي العمل بانهيار الجسر الزجاجي بين مكتبة الأطفال ومكتبة الكبار وبالتالي توحد العالمين، فلا خوف بعد الآن والتخلص من الضعف والشر الداخليين هو السبيل الوحيد للنجاة، هي نهاية شبه سعيدة، فليست كل القوارب تبحر في الظلام دون أن ترى الشمس مرة أخرى.

براعة وثراء في السَّرد يأخذ القارئ بشكل لا يستطيع به الانفكاك إلا مع آخر صفحة من هذا الكتاب الضخم، والذي ينفر الكثيرين عن اقتنائه فيتوجهون لمشاهدة الفيلم طمعاً بدقائق تشدّ الأعصاب فتريح الجسد من توتر الأيام والزمان.

وفيما يخصّ الفيلم، بدأت المقارنات فور طرحه، بينه وبين الرواية، وخاصةً أنها أُخرجت سابقاً بشكل مسلسل تلفزيوني عام 1990 لاقى من الإعجاب الكثير، وغالباً ما يخرج المخرج عن النص المكتوب لخدمة الصورة، ولم يحالف أعمال كينغ السابقة التي تحولت إلى السينما الحظ بنيل نفس حظوة العمل المكتوب، ولكن الأمر اختلف مع المخرج أندي موشيتي، الذي استطاع التقاط أسلوب المؤلف المحبوب وترجم قدرته على غزو الخيال بشكل بصري.

يروي الفيلم كما الرواية قصة 7 من الأطفال المشاكسين في عطلة صيفية ولكن عام 1989 أي في الثمانينيات بدلاً من الخمسينيات في الرواية) يتغلبون على مخاوفهم (التي تتجسد بهيئة المهرج) ولاحقاً يختبرون من جديد صدمات طفولتهم، مع العلم أن الفيلم يروي النصف الأول من الكتاب فقط ومن المتوقع صدور جزء ثان يروي بقية العمل، وما يجعل الفيلم “IT” ذو تأثير قوي وغير مريح وصادم بشكل إيجابي، نجاح موشيتي في تجسيد روح الرواية وتحويلها إلى لقطات نابضة بالحياة، واختيار موشيتي فصل الرواية إلى فيلمين أعطاه فرصة أفضل للاحتفاظ بأكبر كم ممكن من المادة الأصلية، وأشاد كينغ كثيراً بفيلم موشيتي قائلاً “كانت عندي آمال للفيلم، إنه مختلف لكنه، في نفس الوقت، شيء يستطيع الجمهور التواصل معه وخلق علاقة به، فهم سيقعون في حب الشخصيات” ومن المتوقع صدور الجزء الثاني عام 2019.

قد لا يكون الفيلم أنجح أفلامه أو بمستوى الرواية ولكنه أكثر فيلم يحمل روحه، وكما يقول كينغ “النهايات السعيدة تصبح ذات معنى أكبر بكثير عندما تسبقها أحداث مرعبة”.

سامر الخيّر