ثقافةصحيفة البعث

“غفران”.. قصص عن الحرب تبلسم القلب

 

في مجموعتها القصصية “غفران” تبني الأديبة عبير منوّن, عالما قصصيا جميلا, وتخط لذاتها بصمة خاصة في عالم القصة القصيرة السورية. على امتداد (116) صفحة من القطع المتوسط نقرأ أربع قصص تحمل العناوين التالية: (المبرد، غفران، مازال في الذاكرة، ماوراء السحب). في القصة الأولى الموسومة بعنوان: (المبرد) سنجد الحضور المأسوي للحرب الجائرة على بلدنا الحبيب سورية, هي قصة متميزة ولافتة جدا عن مأساوية الحرب, بطل القصة عماد ملازم في الجيش العربي السوري, تنتهي إجازته فيودع أمه ليلتحق بقطعته العسكرية, في الحافلة المنطلقة إلى حلب, ومن بين الركاب تقع عينه على الصبية ندى التي كان يراها في بنايتهم بعض الأحيان. يجلس في المقعد الذي يلي مقعدها, ثم يغفو وتنطلق بهم الحافلة نحو حلب, وفي الطريق تعترضهم عصابة من المسلحين (بدأ المسلح بتفتيش الهويات, الطفل يبكي مذعورا وعبثا حاولت الأم الخائفة تهدئة طفلها, ثم يصرخ المسلح بوجه عماد هيا انزل) ص32 ثم يخطفون عماد وندى. فيضعوهما في سيارة ويقتادوهما إلى جهة مجهولة, ثلاثة مسلحين, وبعد خطة ذكية يستطيعان القضاء عليهم, ويلوذان بالفرار بعد إن يأخذا منهم سيارتهم, ثم يتجهان إلى أقرب نقطة عسكرية للجيش العربي السوري. ويتم إسعافهما, ومن ثم يلتحق عماد بقطعته العسكرية, وتذهب ندى لتقديم امتحاناتها الجامعية, لكنهما يستمران بالتواصل معا. وهنا تترك القاصة عبير منوّن, نهاية هذه القصة مفتوحة, لكنها تشير لنا إلى أن قصة حب بدأت تغزل مغازلها بين عماد وندى, وتترك النهاية مفتوحة أو إلى تقديرات القارئ.

في قصتها الثانية “غفران” الموسومة باسم مجموعتها القصصية هذه: (كيف لنا أن نعاتب أقدارنا والقدر مكتوب علينا؟ حياة سنعيشها بحلوها ومرها, نهايتها ليست بأيدينا, فما الذي يخبئه القدر لغفران؟ الفتاة التي أحبت وكان حبها للحياة عنوان وجودها, لكن الحبيب غدرها وخان, فانطفأ الذي اشتعل في قلبها كالبركان وتحول إلى رماد بلا دخان) ص 31 غفران طبيبة تحب مياس ابن خالتها, وهو موظف غير نزيه (وموتور وانتهازي) لكنها تتزوجه رغم اعتراض أمها وأبيها وإخوتها على هذا الزواج, ومع مرور الأيام تتحدى قرار أهلها وتتزوجه. وبعد مضي أيام قليلة من زواجها تصاب بمرض خبيث, فيتهمها مياس بأنها كانت مريضة قبل زواجهما, ولم تخبره بمرضها, ويضعونها هو وأمه في غرفة مهملة بائسة ويائسة, في الوقت الذي يعرف فيه أهلها بحكاية مرضها، يهرعون إليها وتعود معهم إلى بيتهم. يتزوج مياس من زميلته الموظفة معه في العمل والتي تكاد تشبهه في السلوك. في النهاية تقرر غفران وبعد أن تتعافى طلب الطلاق: (دخلت غفران غرفتها التي كانت في يوم من الأيام عزيزة على قلبها, وأخرجت صورة مياس من حقيبتها, ومزقتها لتمزق معها كل ذكرياتها التي طعنتها في صميم قلبها فنزف من أوجاع حب فات, وفتحت صفحة جديدة في هذه اللحظات عنوانها: سأحب الحياة لأجل من أحبوني, لأجل من ساندوني, ونبض القلب أعطوني ) ص 65.

في اشتغالاتها القصصية يشكل عام, وفي مجموعتها هذه (غفران) سنجد القاصة عبير منوّن, أمام اختيارات غاية في الأهمية من حيث الاشتغال على الخصوصية القصصية, والتي باتت قصية على من لايعرف كيف يجدف في وجه التيار, ومن لايجيد شد القارئ إليه. قصص الأديبة منوّن تشكّل في كليتها قصصا للحياة والحب والحرب والواقع, هي قصص منسوجة ومنسلة في ذات الأمر من مخيال قصصي شاسع المدى نهل من الواقع الكثير, دون إن يلتقطه (كصورة فوتوغرافية) أو أن  يترك لأحد ما بعض الإسقاطات التي لا تملك الجرأة على الإفصاح عما يجول بخاطرها, كما حدث معنا في باقي قصص المجموعة.

عن هذه المجموعة وفي الغلاف الأخير نقرأ كلمة الروائي د. نزيه بدور: (كمخرج مبدع تعرض عبير منوّن مشاهدها القصصية على الورق, وتأخذنا بعيدا في الصراع الدرامي وانعطاف الأحداث, وتغور في الشخصية, فتقدم لنا النبيل من الناس والنذل منهم, العاشق السابق واللعوب المخادع, بلغة متميزة, أكاد أقول إنها لغة خاصة بها.

مجموعة غفران للقاصة عبير منوّن, مجموعة جديرة بالقراءة والاهتمام، والاحتفاء الأكبر.

أحمد عساف