مهـــــر الـــــزواج.. أرقام خيالية تصادر أحلام الشباب.. ومغالاة مرفوضة اجتماعياً!
لم يكن تأمين المنزل، ووجود مصدر دخل لهم في حياتهم، العائق الذي يقف في طريق تفكيرهم بالزواج، بل كان المهر الذي يشمل “المعجل والمؤخر”، والذي أصبح في هذه الأيام طفرات مخيفة للشباب المقبلين على الزواج، فلم يعد المنزل يشكّل الضمان والأمان للعروس، بل تعداه إلى المهر الذي حلّق بأرقام قياسية في سورية لا مثيل لها في دول أخرى، ما جعل الكثير من الشباب يعزفون عن فكرة الزواج، لاسيما بعد أن انتشر في الشهر الماضي خبر تعديل المحكمة الشرعية بدمشق عقد زواج لزوجين ليصبح مهر العروس100 مليون “متقدم”، و8 ملايين “متأخر” بعد أن كان 30 مليون ليرة سورية “معجل”، و8 ملايين ليرة “مؤخر”، ما جعل الحديث في مواقع التواصل الاجتماعي يدور حول محور ضرورة رفع مهر العروس بما يتناسب مع الغلاء الذي طغى على كل شيء!.
مهر معنوي
وعلى الرغم من سنوات الأزمة القاسية التي عشناها، إلا أننا كنا نسمع بين الفينة والأخرى عن حالات تسجيل عقود زواج بمهر مرتفع جداً لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي السيئ الذي كان سيد الموقف على مدى سنوات الحرب، لتنشأ الغيرة بين الفتيات اللواتي لم يعدن يكتفين بمبالغ متعارف عليها في بيئاتهن الاجتماعية، ما خلق حالة من العنوسة المخيفة بين الشباب والفتيات المقبلين على الزواج، في حين نجد الكثير من الدول الأخرى تخلصت من فكرة المهر النقدي للعروس، واستبدلته بطرق أخرى أكثر يسراً على الرجال، ففي بعض الجزر في أندونيسيا ليس مهر العروس مالاً أو ذهباً، إنما جمع أكثر من 500 فأر، وذلك هو سبيل الرجل الوحيد نحو الزواج، وجاء هذا الشرط بناء على ازدياد عدد الفئران في تلك الجزر، كما تقوم بعض القبائل الفقيرة في الصين للتقليل من الزواج وأعداد الأطفال بوضع مهر غريب على العريس، حيث يقوم الشاب هو وأهله بجمع الذباب من أماكن النفايات، أو أن يلصق الحلوى على جذوع الأشجار ليتصيد الذباب، ثم يأكل طبقاً من الذباب الذي قام بجمعه أمام الفتاة التي يريد أن يتزوجها، وفي أوغندا يقدم قوم الزوج مهراً مؤلفاً من المواشي والمال النقدي لزوجته، وتتفاوت قيمة المهر وفقاً للمجتمعات، وعوامل أخرى كالوضع الاجتماعي للزوج، أو الفتاة التي سيقترن بها.
مشاكل اجتماعية
كثيرة هي المشاكل الاجتماعية التي يسببها ارتفاع المهور، فضمن الأسرة الواحدة التي يرغب فيها الابن بالزواج، ستقع الخلافات لعدم قدرة الشاب على تأمين هذا المهر، وإلقاء اللوم بالتالي على أهله، وبالتالي عزوفه عن الزواج كباقي الشباب، وهذا يؤدي لتوقف سوق الزواج، وانتشار الأمراض النفسية، وازدياد العلاقات غير الشرعية خارج إطار الزواج، وصولاً إلى تخلخل النسيج الاجتماعي بسبب ازدياد مظاهر السرقة والاحتيال والنصب بين بعض الراغبين بالزواج لتأمين مستقبلهم، وفي منظار آخر سنجد ازدياد نسبة العنوسة بين الفتيات، وحرمانهن بالتالي من حياة الأمومة والاستقرار.
مخالف للشرع
اعتبر الدكتور عبد الرزاق المؤنس، “معاون وزير الأوقاف سابقاً”، مهر العروس ركناً أساسياً من أركان الزواج، وهو في الإسلام حق مالي للمرأة على الرجل، مستعيناً بقوله تعالى: “وآتوا النساء صدقاتهن نحلة”، ولم يضع الشرع حداً لقيمة المهر، وذلك حسب قدرة الزوج واستطاعته، لكن الإسلام رغب في تيسير المهور، وأمور الزواج، معتبراً أن أكثر النساء بركة هن أقلهن مهراً، ولا يحبذ للمرأة ووليها أن يفرضا على الرجل مهراً يفوق استطاعته المادية، فالزواج هو نعمة من نعم الله تعالى، ولكن مع تطور مستجدات العصر، بات المهر اليوم ضرباً من ضروب الترف الذي يرفضه ديننا، وجميع الأديان السماوية، وأصبح الأولياء يفرضون مهوراً كبيرة، ويغالون بها كعقبة أساسية في طريق الزواج، حتى أصبح الزواج من الأمور التي يبتعد عن التفكير بها أغلبية شبابنا، لذا على الأهل، وخاصة في ظل الأزمة التي نمر بها، أن ينظروا بعين الرحمة لأولئك الشباب غير القادرين على تحمّل أعباء إضافية، وعدم فرض مبالغ خيالية كمظهر من مظاهر الترف والاستهتار اللذين هما سبب لزوال النعم، وهذا الأمر مخالف للشريعة الإسلامية.
ميس بركات