الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

“الأخوان” والسلطة والفكر

عبد الكريم النّاعم

بداية أقول إنّ التركيز على “الأخوان المسلمين” هو بسبب أنّهم الخزّان الفكري لكلّ الحركات المتطرّفة (مذهبيّاً) كما أنّهم الينبوع المتدفّق لوجود مَن ذكرنا واستمراريتهم، وبغض النّظر عن أنّهم الآن هم في الحالة الأضعف، بعد أحداث الرّبيع العربي!! فإنّهم في صمتهم، وفي تراجعهم يهجعون بانتظار إعادة الكرّة، وهاهو تاريخهم في المنطقة العربيّة لا يخفى إلاّ على منكره، والمنحاز إليهم.

“الأخوان” عبر تاريخهم ملتحقون بالسلطة، أيّ سلطة تقبل بهم، وترحّب بحضورهم، منذ أن أُنشئوا حتى الآن، وهذا استمرار لحالة تاريخيّة معبّر عنها ببعض رجالات الدين في تاريخنا، والذين كان كلّ همّهم أن يُفتوا بما يُرضي السلطان، وإنْ أغضب الله، وما أكثرهم.

هنا لابدّ من ملاحظة أنّهم منحازون عبر تاريخهم إلى السلطات والقوى التي تغلب على توجّهاتها الرّجعيّة، حتى وإنْ رفعتْ شعارات ما يتنافى مع ذلك، أو قامت ببعض الإجراءات الخدّاعة، كما يفعل حزب ” النهضة” الآن في تونس مثلا، ولم يُعرف عنهم أيّ تحالف مع القوى التقدميّة، لأنّ بنيتهم الفكريّة لا علاقة لها بالتقدّم، والفترة التي حاولوا فيها أن يظهروا بمظهر المساند لعبد الناصر، لم تطل، فقد حاولوا اغتياله كما هو معروف، بعد أن ثبت لهم أنّه لا يمكن أن يكون كما يريدون، وهذه الصفات لا تنطبق على الحيثيات الإجرائية، أو التي تفرضها طبيعة التحوّلات المجتمعيّة، بل هي مركوزة بعمق في أفكارهم العقائديّة، فالغنّوشي، كمثال، والذي كان يقدّم نفسه على انّه ابن العصر، وابن المواكبة، وأنّه يمثّل الإسلام المعتدل، والمنفتح، وكانت بعض مقالاته ومقابلاته تلاقي قبولا من أفراد محسوبين على الفكر التقدّمي،…هاهو كممارسة قد عرّاه الغليان في تونس، وفي الوطن العربي، وهذا كان ناتجاً عن جذر في العمق الفكري، وعن رؤيته لبعض مفاصل الحداثة، فهو يقول:

“…إذا كان الطغاة في عهود التخلّف يختفون وراء أصنام اللآّة، ومناة، وهُبل، وبعل، فإنّ الحريّة، والديمقراطية، والمساواة، والقوميّة، والإنسانية، والتقدميّة هي الأصنام الحديثة التي يُخفي الطّغاة خلف بريق ألفاظها، ورنين جرْسها، ظلام أنفسهم، وبشاعة أعمالهم” – مقال “الحركة الإسلامية في تونس، لمصطفى التّواني- مجلّة قضايا فكريّة – 1989-

بصريح القول هذا تنكّر لمفاهيم الحرية، والديمقراطية، والمساواة، والقوميّة، والإنسانية، والتقدميّة، فما الذي بقي من مفاهيم الحداثة الاجتماعيّة، والتي تُعتبَر أحد عناوين العصر، حتى وإنْ انقلب عليها، في التعامل معنا حكام الغرب المتحالفون مع الرجعيّة الصهيونيّة.

تُرى ألا يحقّ لنا أن نتوقّف عند هذه العلاقات الحميمة بين حكام السعوديّة والخليج والصهيونيّة،؟!.. غير مخدوعين بما حقّقه أردوغان في تركيا في فترة حكمه الأولى، لأنّها كانت الورقة الخدّاعة لخلخلة القوى الأخرى، وخداع الجماهير التركيّة، ولن يطول الوقت حتى يلتحق بذلك الركب المتصهين، لأنّ جذور الرؤيا في توجّهاته لا توصل إلاّ إلى ذلك المكان.

aaalnaem@gmail.com