أدّى إلى تقليل واردات العراق من المياة إلى أكثر من 65 ٪ سدّ اليسو التركي على نهر دجلة يسبّب أزمة خطيرة في العراق
أكد الاتحاد العام للفلاحين والتعاونيين الزراعيين العرب دعمه للعراق بالحصول على حصصه المائية من مياه نهر دجلة، مندداً بسياسة السدود وحجب المياه التي تقيمها الحكومة التركية على مياه دجلة، والتي تؤثر سلباً على خطط التنمية البشرية والاقتصادية في العراق.
وقال الاتحاد في بيان، وقّعه الأمين العام للاتحاد خالد خزعل: “تلوح في الأفق الكثير من الأزمات، لكن أخطرها أصبحت واقعاً هي أزمة المياه في العراق الشقيق نتيجة سد إليسو الذي بدأ إنشاؤه عام 2006 والذي يقع على نهر دجلة، وهو سد من بين 22 سداً ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول، وأشار إلى أنه نتيجة هذه السدود التركية، فقد بدأت في السنوات الأخيرة تتردى نوعية المياه، ويزداد تلوثها في العراق، وذلك بسبب الاستثمار من قبل دولة المنبع تركيا، حيث أدى هذا السد إلى تقليل واردات العراق من المياه إلى أقل من 65% من حصته المقررة.
وأوضح البيان أن هذا السد يؤثر على أنحاء متفرقة من العراق في الشمال والوسط والجنوب، وتضررت منه 5 مراكز محافظات و13 قضاء و21 ناحية تقع جميعها في حوض النهر وروافده الأخرى، وهذا الوضع سيفقد الفلاحين أراضيهم الزراعية، ويؤدي إلى تدهور الإنتاج الزراعي بشكل خطير، ناهيك عن الأخطار الأخرى التي ستلحق بالعراق عامة وسكان حوض دجلة خاصة.
وجدد البيان التأكيد على الوقوف بكل قوة مع الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية العراقية ومطالبته بتأمين حصة العراق من المياه وفق الاتفاقات الدولية الناظمة، ودعم الحكومة العراقية في اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان حياة المزارع العراقي، وتخفيف المخاطر التي تتهدد العراق، وكي يبقى العراق من الدول العربية الرائدة في المجال الزراعي.
وكان الاتحاد العام للفلاحين والتعاونيين الزراعيين العرب، ومقره دمشق، قد أصدر دراسة بحثية حول مخاطر هذا المشروع على الأمن المائي العراقي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في العراق، ولفتت الدراسة إلى أن سكان العراق يعتمدون بشكل أساسي وكبير على مياه نهر دجلة، وفي السنوات الأخيرة بدأت هذه المياه تتردى نوعيتها، ويزداد تلوثها جراء قيام تركيا “دولة المنبع” ببناء مشاريع مائية عملاقة على حوض النهر، ما ترك أثاراً سلبية خطيرة على السكان القاطنين في دولة المصب، أي العراق، ويعد إليسو أخطر هذه المشاريع، وسوف لن تنحصر آثاره السلبية على سكان جنوب تركيا، وإنما ستتعداها كي تشمل سكان العراق أيضاً، حيث ستنخفض كميات المياه من 20 مليار م3 إلى 9 مليار م3 الأمر الذي سينعكس بدوره على حياة واقتصاد ومعيشة جميع السكان القاطنين في حوض النهر.
واعتبرت الدراسة أن التأثيرات التي سيخلّفها بناء المشروع التركي على سكان العراق ستتجلى في أربعة مظاهر هي:
الأول: التغيير في أنماط معيشة سكان الحوض: إذ أن اعتزام الحكومة التركية على إنجاز سد إليسو سوف يعمل بلا شك على توسيع حجم المشكلة البيئية المتفاقمة في العراق، وسيعطيها أبعاداً إضافية على صلة وثيقة بمشكلة التزايد السكاني الكبير المتوقع خلال السنوات القادمة، وطريقة توسع المراكز الحضرية، وزيادة الحاجة الملحة لتأمين المياه الصالحة للشرب، وبقية الاستخدامات اليومية الأخرى، وعندما سيحين موعد امتلاء خزان السد سوف يتضرر من وراء ذلك الملايين من البشر المنتشرين في أنحاء متفرقة في مناطق شمال ووسط وجنوب العراق، وسيتضرر جراء ذلك /5/ مراكز محافظات عراقية و/13/ قضاء و/21/ ناحية تقع جميعها في حوض النهر وروافده الأخرى، ما سيدفع بالسكان إلى ترك مهنهم الزراعية والصناعية والحرفية والهجرة من الريف والقرى إلى المدن وبقية التجمعات السكانية، وسوف يؤدي هذا النزوح العشوائي مع مرور الزمن إلى تغيير أنماط وأساليب العمل الاقتصادي لهؤلاء الناس من أنماط منتجة إلى أنماط غير منتجة، وسينخفض بنفس الوقت الإنتاج الزراعي بشكل كبير جراء تزايد رقعة الجفاف، وتدهور المراعي والحقول الطبيعية، وحصول تراجع ملحوظ في الثروة الحيوانية، وكل ذلك من شأنه أن يزيد من حجم المشاكل الاجتماعية لسكان الحوض القاطنين فيه مستقبلاً.
الثاني: تأثير المشروع على اقتصاديات سكان الحوض، حيث سيترك بناء سد إليسو انعكاسات خطيرة على الواقع الاقتصادي لسكان حوض دجلة في العراق نتيجة انخفاض واردات المياه الجارية إلى البلاد، وسيتردى الوضع الاقتصادي للفلاحين والمزارعين الذين يعتمدون بصورة أساسية على مياه النهر في إرواء حقولهم ومزارعهم التي ستعاني من قلة إمدادات المياه، هذا إلى جانب ظهور الحاجة إلى استيراد بعض المحاصيل الزراعية بدلاً من الاكتفاء الذاتي أو شبة الذاتي، وحدوث زيادة كبيرة في معدلات البطالة الناجمة عن ارتفاع هجرة الفلاحين وانخفاض فرص العمل بالنسبة للعاطلين منهم.
وسيقضي سد إليسو على ثلث مساحة الأراضي الزراعية في العراق والتي تقدّر بأكثر من أربعة ملايين دونم خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، ما يعني حرمان مئات الآلاف من المزارعين من مزاولة أعمالهم ومهنهم الزراعية التي تعد مصدراً رئيساً لمعيشتهم الأساسية، ولا يقتصر الحال وحده على هؤلاء فحسب، بل يتعداه ليشمل أيضاً الصيادين الذين يعتمدون في مهنهم على صيد الأسماك، حيث سيؤثر انخفاض معدلات تصريف مياه نهر دجلة على تنمية الثروة السمكية في البلاد.
الثالث: تأثير المشروع على الحالة الصحية لسكان الحوض: تعد هذه المسألة غاية في الحساسية بسبب انعكاساتها السلبية والخطيرة على البيئة والإنسان معاً، فانخفاض المياه الذي سيحصل بعد بناء السد سوف يعمل على حرمان أعداد كبيرة من سكان الحوض من الحصول على مياه الشرب الكافية، وسيترافق ذلك مع تردي نوعيتها وزيادة معدلات التلوث النهري فيها جراء احتوائها على نسب عالية من المواد الكيماوية والأسمدة المستخدمة من قبل المزارعين الأتراك وبلا شك، فإن هذا التلوث سيؤدي إلى ظهور العديد من الأمراض الوبائية الخطيرة بين سكان الحوض وعلى نطاق واسع، خصوصاً الأمراض المعدية مثل الطاعون والكوليرا والتيفوئيد والملاريا.
الرابع: تأثير الزلازل والهزات الأرضية على سلامة سكان حوض دجلة في العراق: إذ أنه من المعلوم أن تركيا تقع ضمن نطاق زلزالي نشيط، وتشير الدراسات والبحوث العلمية إلى أن كمية المياه المحتجزة في السدود التركية المقامة على نهري دجلة والفرات من شأنها أن تزيد من فرص حدوث الزلازل والهزات الأرضية، ما يتطلب القيام بتحرك سريع من قبل العراق للضغط على تركيا من أجل الحصول على ضمانات وتعهدات تضمن حقوق العراق بالحصول على حصته المائية كاملة، والتعويض عن أية أضرار وخسائر مادية وبشرية قد تحدث في حالة انهيار أحد السدود المقامة على نهري دجلة والفرات، خصوصاً إذا علمنا أن هنالك علامات استفهام كثيرة تتعلق بمدى مطابقة المشاريع المائية لشروط السلامة الدولية ومنها السدود الكبيرة المقامة حالياً على نهر الفرات، وهي سدود “كيبان – قره – قايا –أتاتورك – إليسو”.
وفيما يخص التأثيرات التي سيخلفها سد إليسو على سكان حوض دجلة في العراق، فان الطابع الإنشائي لهذا السد سوف لن يقلل من ذروة حدوث الفيضانات العالية المحتملة الوقوع، وهذا من شأنه أن يؤثر بالطبع على سلامة وأمن السكان القاطنين أو المنتشرين على طول أسفل مجرى النهر، ناهيك طبعاً على الأخطاء الهندسية التي قد تحدث أثناء العمل بالمشروع والتي من الممكن أن تظهر عيوبها الهندسية بعد إكمال بناء السد، إلى جانب الأعمال التخريبية التي قد تقوم بها بعض الجماعات المسلحة في مناطق شرق تركيا، وهي كلها عوامل تساهم بزيادة مخاطر بناء هذا المشروع وغيره من المشاريع المائية في تركيا على حياة ومستقبل السكان في العراق.
وختم الاتحاد العام للفلاحين والتعاونيين الزراعيين العرب دراسته بالقول: إن هذا المشروع يجسد ترجمة خطيرة للموقف التركي الداعي إلى اعتبار نهري دجلة والفرات نهرين وطنيين تركيين، وأنه لتركيا الحق الشرعي باستثمارهما وبسط سيادتها المطلقة عليهما حتى النهاية بهدف نزع الصفة الدولية عنهما فيما يخص مسألة المياه رغم مخالفة ذلك للعهود والمواثيق الدولية المتعلقة باستثمار الأنهار الدولية، وقد عملت الحكومة التركية على تأمين جميع القروض والتسهيلات المالية اللازمة لإنشاء هذا المشروع، متخطية بذلك كل الحواجز والعراقيل التي اعترضتها خلال السنوات الماضية، ولم يغير انسحاب العديد من شركات الإنشاء العالمية المكلفة بإدارة وبناء المشروع من موقف الحكومة تجاه إمكانية التفكير بإلغائه، بل على العكس ازداد موقفها تمسكاً بتنفيذه بأسرع وقت ممكن، كما لم تعر تركيا أي اهتمام لأصوات المعارضة الدولية التي نادت بها الدول والجمعيات والمنظمات الرسمية غير الحكومية، وهي ماضية بتنفيذ هذا المشروع وبقية المشاريع المائية الأخرى في البلاد حتى ولو اعترض العالم كله على ذلك.
يذكر أن مشروع سد إليسو لا يمثل وحده الخطر القادم كما يتصور البعض، بل إن هناك مشروعاً آخر أكثر خطورة وتأثيراً على مستقبل العراق المائي، وهو مشروع سد الجزيرة، لذا فإنه ينبغي على الحكومة العراقية التحرك سريعاً لمواجهة النقص المتوقع في واردات مياه نهر دجلة بعد اكتمال هذين المشروعين، من أجل تدارك أخطارهما المحتملة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأراضي الزراعية داخل العراق.