الممثلون الشباب والدراما المحلية
ما من شك أن مهنة التمثيل في سورية، مرّت بأوقات عصيبة خلال السنوات السبع العجاف التي مضت، وعلى مختلف المستويات، سواء في التراجع والتدهور الذي أصاب درامانا المحلية عموما، على مستوى النص الجيد، الذي لا يزال هذا القطاع يعاني من عدم توفره، ومغادرة العديد من الممثلين الذين كانت عجلات شركات الإنتاج تدور لأجلهم، لكونهم من الأوجه “البياعة” كما يقال في تفاصيل المهنة، عدا عن الشللية التي أصابت جسد هذا الفن، وانخفاض المستوى الفني عموما، لما كانت بالأمس القريب، واحدة من أهم الصناعات المحلية، التي يعول عليها في جلب القطع الأجنبي، وفتح سوق العمل للكثير من المشتغلين فيها وبكافة أنواع مهنهم، وتصديرهم لثقافة الحياة في بلدهم لمختلف الأصقاع، لن ننسى أيضا رحيل العديد من الفنانين السوريين الكبار بالتزامن مع كل ما سبق، لكن جيلا جديدا من الممثلين الشباب، حمل هذا الجبل الثقيل على أكتافه، ومضى به، رغم الظروف المجحفة التي اشتغل بها، وبأقل الأجور، في استغلال غير مسبوق من القنوات العارضة وشركات الإنتاج معا، لتلك المواهب الخارجة إلى العمل حديثا، وهاهي تجد نفسها وجها لوجه، أمام منافسة شديدة وكبيرة، من قبل الأعمال السورية المهاجرة، وغيرها من الأعمال الدرامية السطحية، والتي صار فيها الممثل السوري، -النجوم خصوصا- ليس أكثر من إكسسوار يظهر إلى جانب الإكسسوارات الخاصة بالنجمة الفلانية أو العلانية.
هؤلاء الشباب وبغض النظر عن المستويات التي ظهروا بها في الأعمال الدرامية –التلفزيونية منها بوجه خاص-، سواء أولئك الذين قدموا بما قدموه، مادة فنية غنية وثرية في فهمها للشخصية وتحويل ما هو مكتوب على الورق، إلى حياة من لحم ودم، حياة مكتملة الزخم، وتعد بما هو أبعد مما تم تقديمه، أو أولئك الذين لم تكن موهبتهم قادرة على مواكبة زملائهم، وهنا يلعب السيناريو والمخرج الدور الأهم لذلك الظهور، ففشل ممثل ما يخص بالدرجة الأولى الورق والمخرج على حد سواء، هؤلاء الممثلون الشباب، لم يديروا ظهورهم لعملهم الذي يُحاربون فيه بمختلف الوسائل ومنها تلك القذرة، التي تابعنا تفاصيلها وكان من آخر مستجداتها مثلا منع فيلم “رجل وثلاثة أيام” في فرنسا، وبضغط من “ثورا الغفلة”، كما أنهم لم يغادروا البلاد بحجج شتى لسنا بوارد ذكرها في هذا المقام، في الوقت الذي كان كل ما هو شخصي وإنساني واجتماعي وعام ونفسي أيضا، مرتبط بشكل أو بأخر بالشأن السياسي في البلاد، وذلك بسبب الارتدادات العنيفة للحرب وأحوالها، ومنهم من دفع حياته ثمنا لإصراره على العمل في بلده، وهذا أيضا من طبائع الحروب.
الأهم في وجود هذا الجيل من الفنانين السوريين الشباب، إضافة لمن بقي من الفنانين المخضرمين والكبار، أنهم قاموا بما لا يستطيعه غيرهم في زمن كهذا وفي ظروف مشابهة، فالدراما التلفزيونية المحلية، لم تتوقف عجلتها، حتى وهم يعلمون أنهم أحيانا وقودا لتلك العجلة، وذلك لما تم ذكره من إجحاف وقع بحقهم، إن كان في الأجور، وفي الحصول على فرصة عمل، وفي البحث عن تلك الفرصة في فم الذئاب أحيانا، لكن هذا لم يحبط عزيمتهم، ولم يجعلهم يتقهقرون، بل ما من موسم درامي مرّ منذ عدة سنوات وحتى الآن، إلا وهم رواده والعاملين فيه بكل ما فيهم من طاقة وحب للعمل؛ الأهم في هذا أن أغلبهم أكاديميون، خريجو المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان من محاسن ما حدث ربما، أنه تمّ نزع حجر ثقيل عن جسد الدراما التلفزيونية المحلية، وهو حجر “النجم الأوحد الثقيل”، وهكذا وجد الشباب متنفسا للعمل في المجال الذي تخصصوا به، حتى أن العديد من الممثلين، الذين أهملتهم شركات الإنتاج أيضا لأسباب شخصية، عادوا إلى العمل إلى جانب أولئك الشباب، وهذا الكم من الوجوه الفنية الصاعدة، يمكن التعويل عليها، في نهضة الدراما التلفزيونية، في حال توفر النص الجيد، وما يترافق معه من إدارة دفة هذه الصناعة الإبداعية.
هؤلاء كانت الحرب هي من جعل الحياة تجري في أوردتهم، وبدورهم قاموا بضخها في أوردة الأعمال الدرامية المحلية، أيضا بغض النظر عن مستواها، لكن استمرار الدراما بهم بحد ذاته، هو عمل كبير، يقدر ويحسب لهم، وربما لن تصدقوا أن البعض من أولئك الممثلين الجدد، كان يؤدي خدمته الإلزامية، مستغلا أي فرصة لإجازة ما، يستطيع من خلالها المشاركة في هذا العمل أو غيره.
في حديث للفنان الكبير “بسام كوسا” إلى إحدى الإذاعات المحلية المرئية، أوضح بما لا يقبل الشك، أن المجتمعات لا تقوم إلا على جيلها الشاب، ومنها فنونها بالضرورة، فحين كان فنانا شابا، ذهب غيره ليأخذ هو الفرصة، وها هو الآن، وعلى لسانه يتحدث عن ضرورة فتح الطريق أمام هذا الجيل، سواء في هذه المهنة أو غيرها من المهن، وبالفعل، رأينا في مختلف أنواع الأعمال الدراميّة، -سينما-مسرح-تلفزيون- حضورا لافتا لهذه الفئة من الممثلين، وهي تكد بجد، لتسد الفراغ الحاصل في درامانا التي نحب، وهم يستحقون التحية دون أدنى شك، على ما قدموه ويقدموه، دون مزيد “شوشرة” غالبا ما تخرج من أروقة هذا الوسط، بكل هدوء وروية ومحبة، حتى لو كانت الأجور المقدمة لبعضهم، لا تكفي لسد الكثير من النفقات التي يحتاجها الممثل في حياته، ومنهم من لديه أسرة وعائلة وأطفال، ينتظرون منه أن يقدم لهم ما يقدمه الأب أو الأم لأطفالهم.
الأسماء أكثر من أن تعد أو تحصى في مقال، لكن الحق يقال، لكم ترفع القبعة، ونأمل أن ينتبه صُناع الدراما لهذه النقطة بالذات، فإن غد نجوميتكم لناظره قريب.
تمّام علي بركات