الحياة تعود تدريجياً إلى خراب الشحم وتل شهاب
يقود ضابط برتبة عقيد سيارته متقدّماً موكباً من المساعدات إلى ثلاث بلدات انخرطت في المصالحة هي خراب الشحم وتل شهاب وزيزون بريف درعا الجنوبي الغربي.. يطلق الضابط بين الحين والآخر عبارات الاطمئنان لمن يرافقونه: المنطقة باتت آمنة لا داعي للقلق.
دائرة الأمان توسعت والمناطق الجديدة التي دخلت المصالحة تمتد من ضاحية اليرموك على أطراف مدينة درعا من الجهة الغربية الجنوبية عبر الطريق الزراعي وصولاً إلى خراب الشحم مروراً برسم الثعيلة وتلة طريخم والخربة القبلية إلى بلدة تل شهاب السياحية حيث نجحت إرادة الأهالي مع حزم الجيش بإرساء تسوية ومصالحة وضعت نهاية للإرهاب الذي ضرب المنطقة لسنوات.
في الطريق يخيم الهدوء على المنطقة ذات التلال المنخفضة والطريق تكاد تخلو إلا من سيارات عناصر الجيش التي تشيع رؤيتها مشاعر الاطمئنان.
وفي مزارع خراب الشحم يطل راعي غنم في أرض حصيدة ما أن رأى الضابط والجنود حتى هتف رافعا يديه: الله محيي الجيش.. الله محيي الجيش.
أولى البلدات على طريق المصالحة خراب الشحم تتوقف القافلة في ساحة تجمع السلام في مدخل البلدة.. العشرات من المسلحين والأهالي بعضهم ركن سيارته جانباً وآخرون أوقفوا دراجاتهم النارية منتظرين بفضول.. يتقدّم الضابط بسيارته إلى داخل ساحة التجمع المحاطة بالمحلات التجارية.. يفتح الباب ويترجل يحيط به العشرات مرحبين متلهفين للحديث معه، يفهمهم الضابط بأنه جاء بمساعدات من المحافظة لتأمين احتياجاتهم من الوقود والغاز والطحين، ويؤكد لهم أنه سيتم تسليم المواد إلى لجنة أهلية في القرية لتوزيعها بطريقة متساوية، على أن يتبعها تدريجياً دخول مساعدات أخرى لتحقيق كل متطلباتهم.
تزداد الجلبة من ازدحام القادمين للسؤال عن فتح الطريق، ومنهم من يريد أن يتلقى كلمة تطرد قلقه بأنه لم يعد من شيء يخافه ويقطع الشك باليقين بأن لا إرهاب يهدد لياليهم ونهاراتهم بعد اليوم.
يعمل معظم الأهالي في خراب الشحم بالزراعة وتربية المواشي، وطفة مهاوش من بين العشرات الذين قدموا إلى الساحة للحصول على وقود وغاز لديها قطيع من الأغنام تتقاسم مسؤولية رعايته مع أولادها، لم يبق لهم من أصل 400 رأس سوى مئة. الإرهابيون سرقوا الأغنام في وضح النهار وعلى مرأى منهم كما تقول، والسبب أن أولادها رفضوا العمل مع الإرهابيين والنتيجة كانت مقتل ابنها علي الحسين 25 سنة.
موسى الرشيد من بلدة خراب الشحم قدم مع طفلته على دراجة نارية قال: جوع وخوف ورعب كانت حياتنا.. مع دخول الجيش شعرنا بالأمن والاطمئنان والدنيا صارت أوسع.
على طرف الساحة وقفت آمنة ترقب الحشد وتقول الشابة الأم لسبعة أطفال أنها فقدت أحد أبنائها على يد الإرهابيين، أطلقوا عليه النار بعمر 12 سنة، تتجاوز آمنة حزنها لبعض الوقت وترسم ابتسامة افتخار قائلة: عندما دخل الجيش القرية طلعنا واستقبلناه بالورد.. إجا والخير كله معه.
في مشهد غير مألوف في مناطق دخلت في عمليات مصالحة مسلحون يحملون على أكتافهم أسلحة خفيفة يروحون ويجيئون بين عناصر الجيش والضباط يتهافت بعضهم لتلبية أي أمر من الضابط يسرعون لتقديم الماء والضيافة يتلقون الأوامر بطاعة وينفذون بسرعة.
المهندس عبد النور رجا رئيس مجلس بلدة الجولان المسؤولة عن تجمع خراب الشحم يعلق على المشهد بأن الحاضنة الشعبية عادت للالتفاف حول الجيش وأن المصالحة في هذا الجزء من الريف ستكون مفصلية وبوابة لتسويات متلاحقة لجميع بلدات الريف الجنوبي الغربي وسد ثغرات الإرهاب مع الحدود الأردنية.
مسلحون قدموا من قرية مجاورة يسألون الضابط: نريد أن نفهم ما شروط التسوية، يفرد الضابط أصابع يمينه ويعد: أولاً تسليم السلاح، وثانياً المتخلف عن الخدمة العسكرية يلتحق بالجيش ويمكن لمن يرغب المشاركة في قتال تنظيم “داعش” في المنطقة وفي هذه الحال نبقي السلاح معكم بعد تسجيل اسم حامل السلاح ونوع القطعة ورقمها.. يرد أحدهم: فهمنا.
تنتهي عملية تسليم خراب الشحم من مستحقات القافلة، ينطلق الموكب إلى قرية تل شهاب بعد الدوار على مدخل البلدة يتفرع الطريق إلى فرعين، يندفع الناس باتجاه القافلة رجال يتبارون بعرض الحجج لإقناع الضابط بالذهاب كل إلى الحارة التي يسكن فيها، فيصل حشيش تاجر من قرية تل شهاب يقول بنبرة تفاؤل: الأيام الصعبة انتهت نتمنى الأحسن وطي سبع سنوات من الضغط النفسي.. ينظر إلى الجنوب.. نريد أن نكون يداً واحدة ونشرع بمقاتلة العدو الإسرائيلي مشيراً بيده: “إنه قريب جداً”.
مختار تل شهاب رضوان عقلة يقول بصوت مطمئن: إنجاز التسوية ودخول رجال الجيش وضع الأمور في نصابها وستنعكس على القرى المجاورة ودفعها لإنجاز تسويات مماثلة.
بلدة تل شهاب ذات الطقس المعتدل تغوص بالتاريخ إلى ما قبل العهد الروماني وما زالت تحتفظ بآثار جميلة كالتل الأثري القديم والسور الكنعاني والطواحين المائية إضافة إلى شلالاتها الجميلة وعلى أطراف البلدة مجموعة من القرى الصغيرة تلفها كروم الزيتون والرمان في منظر ريفي أخاذ.