الحكومة لا تزال في موقع التسويق والجباية لجهة التعاطي مع تحول الشركات الخاصة إلى مساهمة عامة..!
تصدر غياب الثقة قائمة أسباب عدم تحول الشركات الخاصة إلى مساهمة عامة، إذ طفا على سطح مداخلات حاضري ورشة عمل “تفعيل دور سوق دمشق للأوراق المالية في مرحلة إعادة الإعمار” أن قرار تحويل الشركة الخاصة أو العائلية إلى مساهمة عامة هي بداية الدخول في متاهة التشريعات والإجراءات التنفيذية المتناقضة، التي ساهمت في العزوف عن هذه المغامرة كما أسماها البعض، وتساءلوا هل تنتظر الحكومة إقبال القطاع الخاص لخوض هذا المضمار، دون ترتيب مسار الانتقال ورعاية هذه المرحلة بمزيد من التحفيز والميزات التي تواجه وتخفف من أثر “جُبن رأس المال”؟ كما أشاروا في معرض مناقشتهم لمحاور الورشة إلى أن تعدد الجهات الوصائية والتشريعات الناظمة لهذه الشركات، أوجد حالة من عدم الثقة والارتياح..!
تسويق فقط
رغم محاولة الحكومة فتح باب النقاش مع أصحاب الشأن خلال ورشة أمس إلا أن غياب بعض المعنيين عنها واقتصار حضور وزير المالية الدكتور مأمون حمدان وحاكم مصرف سوري المركزي الدكتور دريد درغام على المحور الأول، أبقى تصنيف المحاولة في خندق التسويق للفكرة فقط، دون الاجتهاد بالتعرف إلى الأسباب الحقيقية ومقاربة الحلول الناجعة، مع الإشارة هنا إلى تحفظ حاكم المصرف على قرارات تحويل الشركات إلى شركات مساهمة عامة، معتبراً أنها غير مجدية، وأن البداية يجب أن تكون بإيجاد المقدمات الأساسية للثقة والشفافية والأدوات المحفزة لهذا الأمر، وبالتالي إقناع الشركات العائلية والخاصة بالتحول إلى مساهمة عامة، منوهاً إلى أن تجربة القانون 61 كانت سيئة جداً، ويجب دراسة وتقييم هذه التجربة للتوصل إلى تحديد الأسباب التي أدت إلى التحول العكسي للشركات..!
تحفيز ورعاية
لعل الخطوة الأولى تبدأ بتوسيع مسؤولية الحكومة تجاه هذه الشركات، لتشمل التحفيز والرعاية لها، لا أن يقتصر دورها على التحصيل الضريبي وسن التشريعات التنظيمية والإدارية فقط، وذلك من خلال العمل على جذب الشركات الكبيرة الخاصة للتحول إلى شركات مساهمة عامة عبر تشريعات مدروسة ومزايا حقيقية تخفف من وطأة العبء الضريبي الذي يعرقل عملية الإفصاح التي تقتضيها عملية التحول، ويمنع الكثيرين من الانضمام لقافلة هذا النوع من الشركات التي يقارب عددها الـ 24 شركة فقط المدرجة في بورصة دمشق، منها 20 شركة مصارف وتأمين، والتي فرض قانونها عليها شكل التأسيس بالأصل.
وبالرغم من ارتفاع قيم الضرائب المبتغاة في حال التحول لما يقتضيه من إفصاح عن الأرباح المحققة، فالخروج من منظور الجباية أصبح ضرورياً لما يحمله تحولها من قيمة مضافة إلى الاقتصاد الوطني، فلو علمنا بوجود 341 شركة خاصة مقابل 53 شركة عامة، وتنشط في مختلف الأنشطة الاقتصادية الهامة، لتوجب على الحكومة تقديم مزايا جاذبة ومطمئنة لنقل اقتصادها من اقتصاد قوامه شركات عائلية، إلى آخر قوامه شركات استراتيجية، مع توخي تكبيد هذه الشركات أعباء مالية تجعلها مخلصة لنمطها الحالي.
غياب التنسيق
وأكدت المداخلات ضرورة وجود تنسيق وتعاون مابين الجهات الوصائية العديدة المسؤولة عن الشركات المساهمة العامة سواء من جهة الإشراف أم المتابعة أم التدقيق، والتي أكدها الكثير من المحاضرين في الورشة وأغرقت الراغبين بالتحول بجملة من القوانين المتناقضة كقانون 61 لعام 2007 الذي “ولد ميتاً” وتمخض عن عراقيل منذ اللحظة الأولى لتطبيقه. وكذلك قانون الشركات لعام 2008 الذي ألغى وجود شركات مساهمة خاصة، ثم قانون 29 لعام 2009، بالإضافة إلى إجراءات متناقضة ساهمت في زيادة الأحجام عن التحول، طالبين بأن تكون النصوص القانونية لهذه الجهات منسجمة ويتولى تنفيذها جهة مشرفة وقائدة لعملية التحول.
تكافؤ ضريبي
حاول المدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية الدكتور عبد الرزاق قاسم الخروج من نمطية الورشة عقب مناقشة المحور الأول الذي قدم فيه رؤية السوق، والمتمثلة بضرورة توسيع السوق وتعميقه بتعزيز بنيته الداخلية، ووضع محفزات جدية لتأسيس شركات مساهمة عامة، إلى جانب معالجة أسباب بعض الشركات الضخمة المعوقة لتحويلها كشركتي السيرياتيل وMTN، وإعداد نظام إفصاح حديث يوفر معلومات فورية وحديثة عن الشركات، ونظام تداول إلكتروني، فلجأ إلى البدء بتقديم مقترح بضرورة العمل على إيجاد نوع من العدالة والتكافؤ الضريبي بين الشركات المساهمة العامة والعائلية من جهة الضرائب والتأمينات الاجتماعية، لتتركز المقترحات حول ضرورة اعتماد أسس معينة لإعادة التقييم للأصول وفقاً للأسعار الحقيقية، وإعادة النظر بتقييم الأصول المعنوية للشركات، بالإضافة إلى مقترح إنشاء صندوق خاص للتحول من شأنه تخفيض الأعباء عن الشركات الراغبة بالتحول إلى مساهمة عامة، والعمل بالتنسيق مع قسم التخطيط الاقتصادي لطرح مشاريع كبيرة لها دور في إنعاش الاقتصاد الوطني والجانب الاجتماعي على شكل شركات مساهمة عامة كالمشاريع الصحية والسياحة. فيما رأى البعض فكرة تأسيس شركات مساهمة عامة هي فكرة خاطئة، والأفضل تسليط الضوء على الشركات الخاصة وتحفيزها للتحول إلى مساهمة عامة.
تحديد الترخيص
وأكد الرئيس التنفيذي لبنك سوريا الدولي الإسلامي عبد القادر الدويك خلال الورشة، أن زيادة عدد الشركات المساهمة المدرجة في السوق المالية، يكون من خلال تحديد ترخيص الشركات في بعض النشاطات والقطاعات بأن تكون على شكل شركات مساهمة عامة (كما هي الحال بالنسبة للمصارف والتي تأسست على شكل شركات مساهمة عامة)، ويكون شرطاً لتأسيس شركات النشاطات الهامة على شكل شركات مساهمة عامة كونها من القطاعات التي تستقطب الكثير من المستثمرين، مثل (النفط والتعدين، مصانع إنتاج البليت وسحب المعادن، شركات الإسمنت، شركات إنتاج وتجميع السيارات، شركات التطوير العقاري،..إلخ….)، إلى جانب العمل على تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة لتكون الداعم الأساسي للتنمية الاقتصادية من خلال تعديل القانون الخاص بهذا الأمر بما يتناسب مع متطلبات لمرحلة الراهنة.
شهادات الاستثمار
ووافق عميد كلية الإدارة في الجامعة الدولية العربية الدكتور سليمان الموصلي لما ذهب إليه الدويك، إلا أنه أكد ضرورة التواصل مع غرف الصناعة في المحافظات لفهم الأسباب الحقيقية لعدم تحول المنشآت الصناعية إلى شركات مساهمة عامة، فهي الأدرى بما يواجهها من معوقات وتقديم الحلول المناسبة لها، ونوه إلى أهمية إيجاد أدوات مالية تساهم في ترخيص الشركات المساهمة العامة بداية من شركات التطوير العقاري والدفع الإلكتروني، كالبدء بشهادات الاستثمار في مصرف التسليف الشعبي وتحويل جزء منها إلى سندات وتداولها في سوق دمشق للأوراق المالية، أو إطلاق سندات إعادة الإعمار التي يمكن استخدامها لضبط السيولة.
فاتن شنان