“الخوذ البيضاء” تسحب من التداول مؤقتاً
مثلها مثل أي أداة منزلية ينتهي دورها مرحلياً توضع جانباً إلى حين الحاجة إلى استخدامها مرة أخرى، هذا ما قرّره الغرب مؤخراً في شأن مجموعة من الإرهابيين عمل على استخدامها طوال فترة حربه على سورية تحت مسميات إنسانية مزيفة وكاذبة، وأنفق عليها مئات ملايين الدولارات كي تؤدّي الدور الذي أوكله إليها، وهو تدمير الدولة السورية وتحويلها إلى دولة فاشلة، من خلال العمل على الأرض بدل الاستخبارات الغربية لفبركة أدلة ووثائق تحاول من خلالها إدانة الحكومة السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد مواطنيها، ولكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل بعد افتضاح الدور الذي تؤدّيه هذه المنظمة على الأرض، فقد كان هؤلاء الإرهابيون من الغباء بحيث يقدّمون دليل فبركة مشاهدهم عبر المشاهد ذاتها، ما دفع دولاً كبرى في العالم إلى فضح كذب هذه المنظمة، وخاصة روسيا والصين، وعجز مشغّلوها بالمقابل عن الدفاع عن صحة أفلامها وصورها.
وفي الحقيقة أدركت هذه الدول أن الأسرار التي يحملها أعضاء هذه المنظمة يجب أن تُدفن معها، ولا يجوز أن تسقط بيد طرف آخر، لأن هذه الأسرار يمكن أن تؤدّي مستقبلاً إلى مساءلة دول ومسؤولين غربيين حول دورهم المفضوح في دعم الإرهاب ورعايته، حيث كشف دبلوماسيون ومسؤولون في الإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة وكندا ودولاً أوروبية بينها بريطانيا وفرنسا ناقشت خططاً سرية لإجلاء عناصر ما يسمّى منظمة “الخوذ البيضاء” المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية من سورية ولاسيما “جبهة النصرة”، وذلك بعد افتضاح الدور التضليلي الذي لعبوه في قلب وتزييف الحقائق، وبات وجودهم عديم الفائدة لمشغليهم.
وبالنظر إلى أن هذه المنظمة تأسست في تركيا عام 2013 بتمويل بريطاني أمريكي غربي واضح، حيث أثار تحديد نطاق عملها في أماكن سيطرة التنظيمات الإرهابية حصراً الكثير من علامات الاستفهام حولها وحول عملها الإنساني المزعوم، وبالنظر أيضاً إلى التمويل الهائل الذي تلقّته هذه المنظمة من الدول الغربية بحيث أصبح عملها يشبه إلى حدّ كبير شركات أمنية كبيرة مثل “بلاك ووتر”، فإن ذلك سيجعل من هذه المنظمة جهاز استخبارات كاملاً يعمل على الأرض في خدمة أجهزة استخبارات الدول التي أنشأتها، ما يعني أن سقوط أعضاء هذه المنظمة بيد الجيش السوري أو حلفائه على الأرض سيكشف كثيراً من قضايا الأجهزة الاستخباراتية لهذه الدول، وهذا بالضبط ما تحاول هذه الدول الحؤول دونه عندما تعمل على سحب هذه المنظمة من التداول، وليس حفاظاً على سلامة أعضاء هذه المنظمة، وذلك كما تفعل أجهزة استخباراتها عادة عندما تؤمّن الحماية لجواسيسها، وتمنع الوصول إليهم بعد افتضاح أمرهم.
“سي إن إن” الأمريكية نقلت عن مصدر دبلوماسي مطلع على القضية وعن مسؤولين اثنين في الإدارة الأمريكية منخرطين في هذه الخطط قولهم: إن “مصير نحو ألف من عناصر هذه المجموعة وعائلاتهم بات موضع تركيز مناقشات واشنطن وأوتاوا وباريس ولندن وعواصم أخرى.. ومن بين الاقتراحات التي قدّمت إعادة توطينهم في كندا وبريطانيا”، في حين قال مصدران آخران: إنه “من المتوقع أن تقوم ألمانيا أيضاً بأخذ بعضهم”، ما يعني أن أجهزة استخبارات هذه الدول مجتمعة عملت على توظيف هؤلاء في خدمتها ودعمهم وتأمين الحماية لهم ومنع ملاحقتهم.
وبالمحصلة، لا يستطيع أحد في هذا العالم أن يقتنع بأن تحرّك هذه الدول في هذا التوقيت لتأمين ملاذ آمن لهذه المنظمة جاء لغايات إنسانية، لأن أحداً لا يمكنه أن يغيّر شيئاً في الصورة التقليدية المتعفنة لأجهزة الاستخبارات الغربية الضالعة بقوة في كل الصراعات الدموية في العالم.
طلال الزعبي