ووترغيت ماكرون.. أم مجرد فضيحة صامتة؟
تمت استعادة كلمة ووترغيت، وكان أول من ذكرها زعيم اليسار في فرنسا، جان لوك ميلينشون، في مقابلة مع صحيفة لوموند، وسرعان ما تبعته نظيرته مارين لوبان، وسرعان ما شارك الصحفيون في جميع أنحاء العالم، من ألمانيا إلى أمريكا اللاتينية وبالطريق إلى البرتغال وغيرها، في الانضمام بالقول: هل يمكن أن تكون تلك فضيحة ووترغيت إيمانويل ماكرون فعلياً؟.
فقد بدا أن الرئيس الفرنسي متورط في الوقت الحالي، فيما وصفته الهيئة الصحفية الباريسية “قضية بينالا”. بدأ كل شيء مع ظهور لقطات فيديو لرجل يحمل شارات الشرطة ينهال ضرباً على متظاهر سلمي على خلفية مظاهرة عيد العمال في باريس، وقد كشفت صحيفة لوموند أن الرجل الذي ظهر في شريط الفيديو لم يكن في الواقع ضابط شرطة، بل هو ألكسندر بينالا، الحارس الشخصي للرئيس ماكرون، وقد اتهم الإليزيه بمحاولة التستر على الحادث، فبدلاً من إبلاغ المدعي العام، كما يقضي القانون، فإن فريق الرئيس، أوقف بينالا عن العمل لمدة أسبوعين فقط، قبل إعادته لممارسة مهامه المعتادة، وبالتالي استمر يرافق ماكرون في موكب عيد سقوط الباستيل، كما ظهر في مقدمة حافلة فريق كرة القدم الفرنسية في استعراض النصر في باريس.
يتابع المراقبون في فرنسا وأماكن أخرى تصاعد هذا الحدث الصغير، وكيفية تحوله ليصبح “فضيحة”، هي أخطر أزمة في رئاسة ماكرون حتى الآن، ويبدو أن هناك العديد من العوامل التي لها دور في ذلك. أولاً، هناك بالتأكيد ما وصفه مراسل “بي بي سي” في باريس هيو سكوفيلد بأنه “عدم كفاءة وسوء حكم على الشخصية وسوء استخدام السلطة”، وكلها تؤكد أنه “كان من المفترض أن يكون قد أبعد من الإليزيه في عصر ماكرون اللامع “.
وهناك عامل آخر هو تركيز وسائل الإعلام على هذه الفضيحة، وتحديداً، تشكيكها بوجود ميليشيا خاصة تحت إدارة الرئيس، في دليل على معاملة تمييزية، واستخدام معايير مزدوجة، والقائمة الطويلة حول المزايا والامتيازات التي كان يتمتع بها بينالا قبل ذلك، والأكثر إثارة للقلق، بعد حادث يوم عيد العمال أن صحيفة “أويست فرانس” الفرنسية أفادت أن بينالا كان بإمكانه حيازة سيارة خاصة مجهزة بتكنولوجيا الشرطة مع سائق، إضافة إلى راتب شهري “كبير” قدره 10000 يورو، وأنه قد تم منحه قبل أسبوعين فقط من الحادث شقة فاخرة في إحدى المناطق الراقية في باريس، وتؤكد مجلة “لاكسبرس” أنه قد تم منح 180 ألف يورو من أموال دافعي الضرائب لأعمال التجديد في تلك الشقة، والقائمة تطول…
أخيراً، هناك، بلا شك، عامل آخر يسهم في تأجيج هذه الفضيحة، وإن كان غير مرتبط بشكل مباشر بحقائق القضية، هو أن القضية تشكل فرصة نادرة لتحقيق مكاسب سياسية للخصوم، يميناً ويساراً، الذين جهدوا لإيجاد فرصة للنيل من ماكرون منذ عام ونصف العام.
تقول الكاتبة فرانسوا فريسوز في صحيفة لوموند: إن نجاح المعارضة في استخدام الفضيحة لتأجيل مناقشة برلمانية مثيرة للجدل حول الإصلاح الدستوري يشكل “نصرها الأول” منذ بداية رئاسة ماكرون. “في النهاية إنهم ينتقمون من جرأته المتغطرسة في الاعتقاد بأن لا شيء سيقف في طريقه، وأنه يمكنه ازدراء العهود السابقة، وأنه قوي بما يكفي للقيام بالإصلاح كما يشاء (قوانين العمل، والسكك الحديدية، واستحقاقات البطالة والمعاشات التقاعدية، والصحة، وما إلى ذلك) مع تجاهله انتقادات المعارضين أو حتى نصائحهم”.
هل تعتبر”فضيحة بينالا ووترغيت ماكرون؟ ربما لا. لكن مرة أخرى أصبح من الصعب التحكم بفضيحة أصبحت قضية هامة، فقد أسقطت رئاسة ريتشارد نيكسون، بعد فترة طويلة من التسريبات الأولية، وما يمكن أن نكون متأكدين منه هو أن كلاً من وسائل الإعلام والمحققين سيواصلون البحث في قضية بينالا، بوجود الكثير من الخصوم المستعدين لاستغلال كل ما هو موجود، وقد يكون مصير ماكرون في النهاية بيد أصدقائه.
عناية ناصر