الموسيقار حسين نازك مكرماً في أماسي
“مسرحنا هو التراب الفلسطيني، الذي لايفارق مخيلتنا” هذا هو مشروع مؤسس فرقة العاشقين الموسيقار حسين نازك الذي كرّمته وزارة الثقافة في دمشق توءَمة القدس في ندوة أماسي – المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بإدارة الإعلامي ملهم الصالح لتكون القدس شاهدة على هذا التكريم الذي يعد تكريماً للعروبة وللنشيد العربي الفلسطيني، وسلمت مديرة المركز السيدة رباب أحمد الموسيقار نازك درع تكريم وزارة الثقافة بحضور جمهور رسمي وثقافي.
واستحضرت أماسي في هذه الجلسة الحوارية روح شعراء فلسطين لنبقى مع رائعة توفيق زياد”سرحان والماسورة” بالصوت والصورة.
عرض الصالح فيلما طويلا اختزل فيه مراحل التطور الموسيقي والحياتي لنازك تداخل مع الحوارات المباشرة، إلى جانب مقتطفات من مسرحه الشامل ولقاءاته، إضافة إلى الشهادات المباشرة والمسجلة.
التجذر في المكان
وانطلق في تعريف الجمهور بالموسقار حسين نازك من ثلاثة محاور تمحورت حول، رهانه على الطفل الفلسطيني وإعادة إحياء التراث الفلسطيني، وتجربته التي اتسمت بالتطبيقية، ليشغل بيت العائلة الكبير دار آل نازك في القدس ببواباته وأقواسه وأحجاره ومحاله المشغولة حيزاً استند إليه الصالح في حواره معه، فبدأ من طفولته حيث ولد في حارة شعبية- باب حطة- في القدس عام 1942، أمه مغربية مريم الحج الطيب، ووالده محمود عبد الصمد، وفي مدرستها تعلم أصول الموسيقا وانضم إلى فرقة الجاز وتعلم العزف على الكلارينيت، ومن ثم ارتبط بمكنونات المدن الفلسطينية وبدا تأثره الأعمق في المدن التي يعرفها، ليتوقف مع الصالح عند التجذر بالمكان والتشبث بفلسطين بالحديث عن دار نازك الذي يعود إلى عام 1793، وإلى تحويل قسم منه إلى مدرسة وحضانة أطفال ورفضه بيع البيت رغم المبلغ الخيالي الذي وصل إليه ويقدر بخمسة وعشرين مليون دولار، ليجعله بمساعدة مفتي القدس عكرمة الصبري وقفاً ذرياً لأفراد العائلة وفروعها، كما تحدث عن علاقته بدير الصلاحية.
ومن ثم انتقل إلى الأردن لكن لم تنقطع علاقته بالقدس، وفي عام 1969 استقر في سورية وأسس أول فرقة موسيقية بمشاركة مجموعة شباب بآلات حديثة مثل الدرامز والكيبورد لتصبح الخبز اليومي ومصدر العيش، لتتبلور موسيقاه بأول عمل بالتأليف الموسيقي ب”بأم عيني” وهو كتاب لمحامية فلسطينية نذرت نفسها للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، يسرد قصص الفدائيين، فنفذ العمل على شكل مسلسل في كل حلقة قصة فدائي وارتأى نازك أن تكون الموسيقا التصويرية هي الكلمة الملحنة لشعراء الأرض المحتلة سميح القاسم ومحمود درويش وغيرهم.
وينتقل الصالح إلى الملحمة الشعرية”سرحان والماسورة” ورائعة توفيق زياد”لم يعد سرحان من ليلته تلك ولكن في الصباح نشرت بعض الجرائد، فجّر الأنبوب إرهابي مطارد” فكانت بداية لتأسس المسرح الموسيقي بمشاركة سمير حلمي وبسام لطفي وغيرهم، ومن ثم فرقة العاشقين التي جالت العالم ونشرت الشعر الفلسطيني وتراث شعب لايموت.
وعقب نازك على هذه المرحلة بأنه بحث عن شعر يصل إلى كل الناس وهكذا كان رده على محمود درويش، وقد حققت سرحان والماسورة شهرة كبيرة وتم تلحينها أوركسترالياً في تونس بمشاركتها بمهرجان قرطاج بطلب من قائد الأوركسترا محمد القرفي وبحضور نازك الذي اصطحب معه المجوز الفلسطيني.
المحور الهام الذي أفرده الصالح هو الطفل الفلسطيني والعربي من خلال موسيقا نازك في شارة “في قصص الشعوب” وفي “افتح ياسمسم” وغيرها والفيلم القصير مع المخرجة ليال بدر”مرفأ لعروس البحر”.
استدامة التراث الفلسطيني
واتخذت شهادة د سعد الله آغا القلعة المسجلة الطابع التحليلي لموسيقا نازك مبيّناً بأنه عمل على إسقاط المدرسة القومية على الساحة الموسيقية العربية، من خلال تقديم التراث بصورة معاصرة تقاوم التهميش وتثبت الوجود الحضاري الفني للشعب الفلسطيني، فكل أعماله سواء على صعيد التأليف أو التوزيع أو التلحين أو الإعداد استُلهمت من أربع مراحل مرّ بها التاريخ المعاصر للشعب الفلسطيني، إذ جاءت أعمال ما قبل 1948في إطار توزيع موسيقي عاطفي محايد، ليتغير الإيقاع العاطفي بعد النكبة الفلسطينية ويعبّر بحزن عن الشتات والضياع، لتأتي أعماله من خلال فرقة العاشقين المواكبة لولادة الثورة الفلسطينية بروح الحماس بالغناء الجماعي، وفي المرحلة الرابعة عمل على توثيق التراث الفلسطيني لتأسيس البنية الموسيقية الغنائية لمجتمع فلسطيني يؤكد الاستدامة على وجوده الحضاري، مضيفاً بأن نازك وظّف في مشروعه كل الإمكانات المتاحة من خلال المسرح والمهرجانات والتسجيل معتمداً على مفردات كبار شعراء فلسطين وظّفه في إطار معاصر يؤثر في كل العالم.
وتطرق الملحق الثقافي في السفارة الفلسطينية شاكر جياب في حديثه إلى أهمية فرقة أشبال التحرير ومن ثم فرقة العاشقين في التاريخ الفلسطيني النضالي، وإلى مسيرة نازك الذي جعل الهمّ الفلسطيني شغله الشاغل منوّهاً إلى الأعمال التي كُلف بها من قبل منظمة التحرير، ومنها حفل افتتاح القدس عاصمة الثقافة العربية.
وبدأ الأستاذ حسام بريمو حديثه من مقولة الفنان أسامة الروماني في شهادته”ينثر خبرته كألحانه” فتوقف عند علاقته المباشرة بنازك من خلال فرقة زنوبيا كونه مدرب الكورال فالتقط من خبرته الكثير، وتأثر به حتى بصيغة كلامه وسلوكياته في العمل مركزاً على فكرة تعليم نازك دون منة.
ومما أثاره الصالح في حديثه مع بريمو هو عزف نازك على آلة الأوبوا- إحدى الآلات النفخية- بقيادة د. غزوان الزركلي، فأوضح بريمو صعوبة العزف على هذه الآلة التي تحتاج إلى طاقة عالية، وعزف نازك عليها يعد تحدياً كبيراً للذات بالنسبة إلى عمره.
بين فلسطين وسورية
وأشاد السيد خالد عبد المجيد في شهادته بأثر نازك في مسيرة الشعب الفلسطيني المناضل، فكان الصوت المدوي للكلمة والغناء والموسيقا للحفاظ على هوية الشعب الفلسطيني في كل أرجاء العالم، كما تحدث عن الدور الرديف الذي قام به من خلال فرقة زنوبيا في سورية.
نازك مرادفاً للثورة
وشارك د. عبد الفتاح إدريس بتكريم حسين نازك وتحدث باسم الشاعر خالد أبو خالد وباسم القامات الفلسطينية جميعها عن نازك الذي أوجد بصمة في مسيرته الفنية مرادفة للثورة الفلسطينية، وتابع بأن في كل أمة قامات ورموزاً تمثل حضارتها، ونازك يمثل التاريخ النضالي الكبير للقدس التي تفخر بابنها الذي قدم الكثير من أجل القضية، ليخلص إلى القول “حسين نازك يعني فلسطين”.
واقترحت السيدة نائلة توفيق زياد زوجة الشاعر الراحل تلحين قصيدة جديدة لتقدم في ذكرى رحيل زياد الخامسة والعشرين من خلال مداخلتها المسجلة، مشيدة بالتناغم الكبير الذي أوجده نازك بين اللحن والكلمة.
إضافة إلى شهادات أخرى ومن أجملها ما قاله ابنه علي المغترب في شهادته المسجلة “أحببتُ من خلالك فلسطين، البلد التي لم أرها إلا في أعمالك وألحانك، وحبي لفلسطين جعلني أحبّ سورية العظيمة التي تدافع عن فلسطين وتدعم القضية الفلسطينية”.
واختتمت أماسي بحلم حسين نازك بأن تتحقق أمنيات الفلسطينيين وبأن نبقى متفائلين رغم كل الغيوم السوداء التي تحيط بنا.
ملده شويكاني