لماذا الآن ؟!!
عبد الكريم النّاعم
تكاثرتْ، وتعدّدت الدّعوات لطرح “الهويّة الوطنيّة”، حتى لكأنّ أجيالنا، منذ بدء التمرّد على الاحتلال التركي، الذي خيّم بقرونه الأربعة المظلمة على البلاد والعباد، وما تلاه من استمرار في النضال الوطنيّ القوميّ، حتى لكأنّها لم تكن تعي هويّتها الوطنيّة،! أو لعلّها في المُضمَرات ممّا يجب شطبه، والتأسيس لهويّة وطنيّة جديدة!
الطرح، بالنسبة للكثيرين غريب عجيب، والأغرب منه التوقيت الذي يُطرَح فيه، وليس خفيّاً مابين السطور، بينما الغاية التي يلجلج فيها البعض هي إلغاء مبدأ العروبة، مستفيدين ممّا مرّ بالمنطقة كلّها، ولا سيّما سوريّة، وذلك بحكم تاريخ نضالها القومي التقدّمي، وبحكم أنّها مركز أساس في تلك الدّعوة، لم تتخلّ عن ذلك في أسوأ الظروف، ومن عنيتهم يستفيدون من حجم الترهّل والفساد الذي استشرى، متعمّدين إلصاق ذلك بالمبدأ، الهويّة، لا بأخطاء مَن بيدهم القرار!
الذي لابدّ من التنبّه إليه هو أنّ معظم هؤلاء هم ممّن ينتمون أصلا إلى أيديولوجيات تحارب القوميّة، وهم في جرأتهم في الطرح الجديد مشدودو الوثاق إلى الأيديولوجيا التي يتبنّونها، وفي ذلك شيء من انتهاز الفرصة، حتى وإنْ كان توقيتها دمويّا، وحتى لو أدّى ذلك إلى زعزعة العديد من القيم التي نشأنا عليها، في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى لمّ الشعث، وضبّ البعثرة، من أجل نهوض سليم من ركام الحرب الصهيوأعرابيّة على المنطقة.
تُرى حين نتخلّى عن مبدأ العروبة فما هو البديل؟ أهو القطريّة العاجزة بكلّ ما فيها من أثقال، واحتمالات لا تُرضي إلاّ المنتفعين، المسترزقين؟! أهي الدعوة للسّورنة، في حدود ما كان يُعرف ببلاد الشام؟!
ماذا نقول للشهداء العرب الذين استشهدوا على حدود فلسطين دفاعا عنها، وانطلاقا من مبادئ لا تمتّ للقطريّة الضيّقة بأية صلة، عبر مجمل الحروب التي خيضت من أجل تحريرها؟!
إنّ إنجازات الدعوة العروبيّة، منذ بدايات تفتّح الوعي القومي، هذه الانجازات الثقافيّة، والسياسيّة، والعلائقيّة، والتي من تجلياتها المظاهرات التي تخرج في أكثر من مكان دفاعا عن سوريّة، وعن فلسطين، كيف يمكن شطب دوافعها النبيلة بمجرّد رغبة عمياء؟!
تُرى متى تعارض مبدأ العروبة مع “حقوق الأقلّيّات”، التي لها ما لأيّ مواطن في هذا القطر، وعليها ما عليه، منذ نشوء الدولة الوطنيّة؟!
متى كانت العروبة شوفينيّة، وهي التي في وجدانها “ليست العربيّة من أحد منكم بأمّ ولا أب، وإنّما هي اللسان”؟!
ماذا نفعل بتاريخ الوطن العربيّ المشترك، ولغته الواحدة، ومواجهاته الواحدة؟! أليس في استهداف المنطقة العربيّة بالمؤامرة الأخيرة دليلا على أنّها في العمق كيان واحد بعثروه ليسهل عليهم التحكّم بموارده، وبمصيره؟!
الدّعوة أعمق ممّا يبدو على السطح، بل هي أشدّ خطرا لأنها محاولة، في بعضها، مكتوبة بأقلام ربّما استعانت بأكاديميتها، أو ببعض حضورها، وهذا يستدعي أن تكون ثمّة نهضة عروبيّة على أيدي العروبيّين، التقدميّين، العلمانيّين، الديمقراطيين للتصدي غير الخجول، ولتسمية الأشياء بمسمياتها، فليس أعداؤنا هم المتلطّون وراء الأردوغانيّة التركيّة، أو الصيغ الأعرابيّة فحسب، بل ثمّة مَن مازال ينام تحت الجلد فينا…
aaalnaem@gmail.com