سامر محمد إسماعيل: لا مدينة بلا مسرح!
“المسرح أهم من المنصات السياسية على تعدد مشاربها، المسرح هو الحوار، والمدينة لاتعيش إلا بوجود المسارح” بهذه المفردات بدأ الكاتب سامر محمد إسماعيل حواره بملتقى “لأن الفنّ تذوق” بإشراف سامر إسحاق في المركز الثقافي العربي- أبو رمانة- وضم فقرات مسرحية وسينمائية وموسيقية معتمداً على تحليلها وتفسيرها للمتلقي، لنجد أن الرابط المشترك فيما بينها ربما يكون باختلاف القراءات التي تخضع لأهواء المتلقي.
وقد اعتمد إسحاق على الحوار حيناً وعلى السرد في مواضع ليشغل حواره مع الكاتب إسماعيل الحيز الأكبر من الملتقى الذي اعتمد أيضاً على الصورة البصرية، وفي الوقت ذاته أثار الشجن لذكرى الشهداء لاسيما شهداء المسرح.
اللغة العائق الأول
ودار الحوار بين إسحاق وإسماعيل حول الفجوة التي مازالت موجودة بين العروض والجمهور، رغم وجود أعمال مسرحية أوجدت حالة جماهيرية مثل عرض “كأنو مسرح”، فتوقف إسماعيل عند أعمال قدمت قبل الحرب وخلال سنواتها كسرت الشكل التقليدي للمسرح، وكان المسرح القومي عنواناً لهذا النوع، إضافة إلى ما يقدمه المعهد العالي للفنون المسرحية من عروض توازي ما يقدم بالمسرح القومي وأحياناً تتفوق عليه، مع حضور الفرق والتجمعات المسرحية، كلها بُنيت على شكل مختلف بتوجه العروض بذهنيات جديدة، ليصل إلى أن العائق الأول الذي يقف بين المسرح والجمهور هو اللغة، وتابع عن النصوص المترجمة التي تخضع إلى “دراما تورج”، فلابد من وضع سياسات ثقافية اجتماعية سياسية، لأن المسرحي مطالب بصيغة محلية تعني سورية، ولابد أن نفرق بين النص والعرض، إذ ينتقل النص من حالة أدبية إلى مرحلة العرض ويمر بمراحل، مرحلة الاشتغال على النص والكتابة للممثل، ومرحلة الخشبة، ليصل إلى أن البروفة هي الحامل الأساسي للعرض ولكتابة النصّ، مستعرضاً تجربته في تصحيح ألوان وفي ليلي داخلي، ليؤكد بأن المسرح طقس اجتماعي ومكان للحوار واللقاء ونجاحه يتطلب مادة تأخذ بهواجس الناس وهمومهم.
أهمية المسرح المدرسي
كما تطرق إسماعيل إلى العروض ذات الأماكن البديلة التي خلقت حالة مسرحية جماهيرية كبيرة مثل ما قدمه سامر عمران في ملجأ وعلى سرير نهر بردى، وما قدمته نورا مراد، ليبقى الجمهور هو أساس المسرح ويتميز جمهور دمشق بالقدرة على التذوق والتمييز، فالجمهور ليس كتلة صماء بل هو مجموعة هائلة من الرغبات والمشاعر والتيارات، وأشاد بعروض حققت جماهيرية مثل “هوب هوب، المرود والمكحلة، مدينة من ثلاثة فصول وغيرها”
الأمر الهام الذي توقف عنده إسماعيل هو تفعيل المسرح المدرسي لأهمية بناء جيل يعي معنى المسرح، مشيداً بإحياء مسرح راميتا بعرض”السيرك الأوسط” التي لم يشاهدها بعد، إلا أن حضورها أعاد الحياة إلى هذا المسرح، ليناقش من خلال هذه الحالة الإيجابية مسألة الأجور المسرحية، والابتعاد عن السلبية النقدية المسبقة للصحفيين قبل مشاهدة العرض.
ومن المسرح إلى السينما حيث قدم سامر إسحاق لمحة عن الفيلم الذي قدم السينما اليابانية إلى العالم من خلال المخرج أكيراكورساورا صاحب كتاب “عرق الضفادع” الذي يتناول جزءاً من حياته، بعرض مقتطفات من فيلم” راشومون” الذي أنتج عام 1951، وتدور أحداثه أثناء الحرب الأهلية في اليابان حينما كثُر قطاع الطرق، فتقع جريمة بالغابة بهجوم قاطع طريق على الساموراي وزوجته فيقتل الزوج، ويتطرق الفيلم لعرض مجريات الجريمة الحقيقية من خلال أربع شهادات، كل واحد يرويها كما رأى الحقيقة من مفهومه، من قبل الزوجة والقاتل والحطاب شاهد العيان والوسيط الروحي الذي يتحدث بلسان الزوج المقتول.
وناقش إسحاق جمالية الفيلم السينمائية وتصويره بمكانين بوابة الغابة والمعبد الذي تجمع فيه الناس للإصغاء إلى الحقيقة، وتابع عن فكرة الفيلم”جريمة واحدة وأربع نسخ من الحقيقة”، ليصل إلى أن الفكرة تنسحب على عالم الإعلام، والمفارقة أن الفيلم ذاته بأوضاعه الإخراجية والإنتاجية خلق حالة من تعدد الحقائق حوله لاسيما من قبل المنتج.
أوبرا كارمن
وقدم الباحث وضاح رجب باشا مقتطفات من” أوبرا كارمن” لجورج بيزيه التي اشتُهرت بالتوزيع الأوركسترالي اللامع والتصوير الموسيقي المفعم بالحيوية واستخدام اللون الدرامي المحلي لإسبانيا، لاسيما أنه استوحى حكاية الأوبرا من غجر إسبانيا، ألفها عام 1846، وعبّرت عن الحبّ الذي يدمر الذات من أجل المحبوب، وعن الغيرة التي تؤدي إلى القتل، والتضحية بكل شيء، الأمر الحزين الذي أشار إليه الباشا هو موت بيزيه بعد عرض أوبرا كارمن بثلاثة أشهر متأثراً بفشلها الذريع، لتحقق الشهرة فيما بعد، ولتعزف في أهم دور الأوبرا في العالم، وقد عزفتها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في دار الأوبرا مرات عدة، كما حلل الباحث باشا حركات أوبرا كارمن من خلال مشاهد تمثيلية قديمة، ثم بعرض مقتطفات من الحركة الأولى للفرقة السيمفونية الصينية والتي بدا فيها حضور الكلارينيت والفلوت بشكل خاص، ليتوقف عند شخصية كارمن الفتاة اللعوب متقلبة المزاج والعواطف، التي وصفها بالبوهيمية والتي جمعت بين الإغراء والجمال، فتبدأ الحكاية من الصراع بينها وبين صديقتها ميكائيلا فتقتلها، لتغري الضابط – كي يهربها إلى الجبال منطقة الغجر، فيقع بغرامها ويتخلى عن كل شيء من أجلها إلا أن النهاية الحزينة تغيّر الأحداث حينما تعلمه بحبها لمصارع الثيران فيقتلها.
وفسّر باشا حركاتها الأربع وفق تسلسل الأحداث، ليربط بين الموسيقا والسينما بالحديث عن فيلم” كارمن” الذي يقتل فيه المخرج بطلة المسرحية حينما يعلم بحبها لأحد الممثلين.
ملده شويكاني