مع الأحداث مجزرة الحديدة… أخلاق بني سعود
تمر على اليمن السعيد أيام حزينة، لكنها – في الوقت نفسه – عصيبة على نظام آل سعود الذي يسيطر عليه القلق والغضب، لتجد الرياض نفسها تتوكأ على خشبة فشلها في تنفيذ مشاريع وأطماع اندثرت مع اقتلاع آخر خيمة من صحراء مملكة الرمال. ومجزرة الحديدة التي ارتكبها ما يسمى طيران التحالف وراح ضحيتها ثلة من الصيادين، ما هي إلا هذيان لرجل عجوز يصارع من أجل البقاء محاولاً لملمة ما تبقى من أنفاسه بعد أكثر من ثلاثة أعوام مــن حرب فاشلة، بل خاسرة بامتياز.
ماذا جنت مملكة آل سعود من هذه الحرب؟ لا شيء بالتأكيد سوى الخسارات المالية وإعادة التخندق في حلف أعداء العرب تاريخياً، مقابل تفقير وتجويع المدنيين، فها هو اليمن شماله وجنوبه في أسوأ حال في تاريخه على الإطلاق، تفتك به الأمراض والأوبئة، ويتناهبه الفقر والجوع، وتفترسه الصراعات الداخلية والطائفية المموّلة سعودياً وإماراتياً، وتمزّق أوصاله مخالب الجماعات الإرهابية.
قبل أيام دخلت الحرب في اليمن، بل المنطقة كلها، في منعطف خطير من التأزم بعد توقف الملاحة في باب المندب، كمؤشر واضح على انحدار الوضع برمته نحو هــوة سحيقة من الصراع الإقليمي والدولي، وكدليل صريح على فشل هذه الحرب وضياع بوصلتها، وهي الحرب “الورطة” التي تؤكّد الوقائع كل يوم أنها اعتمدت على قاعدة بيانات مغشوشة ومغلوطة لا تتسق مع حقيقة قوام وطبيعة قوات وجماهير الخصم المستهدف بهذه الحرب. حرب أشبه بفخ واستدراج وقعت فيهما الرياض وأبو ظبي كنسخة مشابهة لفخ واستدراج الرئيس العراقي صدام حسين بغزوه الكويت في آب 1990.
يتزامن هذا الإخفاق مع حملة إعلامية سعودية إماراتية للبحث عن دعم عسكري دولي يخرجهما من هذه الورطة، حيث تماهت هذه الحملة الإعلامية الخليجية مع الحملة الإعلامية الأميركية “الإسرائيلية” ضد طهران بعد أن دخل النفط بقوة كعنصر صراع في المنطقة على خلفية قرار واشنطن خنق إيران ومحاصرتها اقتصادياً من خلال منع تصديرها النفط للسوق العالمية، وفرض عقوبات على الدول والشركات الدولية العاملة والمتعاملة مع إيران.
لا يعتمد التحالف السعودي في احتلال اليمن على حلفائه من اليمنيين في القتل وتدمير حضارة اليمن، إنما يعتمد على تواطؤ دول مجلس الأمن، وما يسمى المجتمع الدولي. فالمبعوث الدولي مارتن غريفيث الذي يتحسس مأساة اليمن، خلافاً لإسماعيل ولد الشيخ أحمد، يحاول تفادي معركة الحديدة كما يقول في دعوته لمباحثات جنيف في 6 أيلول القادم.
ولا شك أن الانتصارات السورية المتلاحقة ضد الجماعات الإرهابية المدعومة أميركياً و”إسرائيلياً” وخليجياً قد ضاعفت من منسوب هستيريا التصعيد الأميركي “الإسرائيلي” السعودي في المنطقة، وألقت بظــلالها على صــناع القرار في واشنطن وتل أبيب والرياض، وعكست نفسها سلباً على أجندات هذه العواصم، لكن المدافعين عن تراب اليمن لا يزالون مستعدين لرفع البنادق، وقوات الجيش اليمني واللجان الشعبية قادرة على ضرب كل الأهداف الحيوية والعسكرية للأعداء، سواء كانت تحت الأرض أم فوقها، كما قال عبد الملك الحوثي خلال مسيرة حاشدة قبل أيام في صنعاء تنديداً بمجزرة الحديدة.
علي اليوسف