دراساتصحيفة البعث

ترامب وتدمير النظام العالمي

ترجمة: عناية ناصر

عن فورين بوليسي 27/7/2018

بعد جولة أوروبية استغرقت أسبوعاً، حطّ فيها من قدر أقرب حلفاء أمريكا وتملق أعداءها، لم يعد هناك أدنى شك في أن دونالد ترامب يريد تفكيك النظام العالمي الليبرالي. قام هذا النظام -وهو نظام من الترتيبات والتحالفات والمؤسسات متعددة الأطراف- على رماد الحرب العالمية الثانية تحت الوصاية الأمريكية وقوة السلاح. فهو يمتد من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو إلى الضمانات الأمنية طويلة الأمد التي أنشأتها واشنطن مع الدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

كان مثل هذا الإجماع السياسي الأمريكي على حلف شمال الأطلسي “الناتو”، منذ إنشاء الحلف في عام 1949، وكان من ينتقد عضوية الولايات المتحدة شبيهاً بالمطالبة بإلغاء قوانين عمالة الأطفال: ببساطة لم يتم ذلك من قبل مرشحين جديين يسعون إلى الرئاسة، لكن  ترامب غير كل ذلك.

من بين العديد من المحرمات التي كسرها ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، ذهابه إلى وصف حلف الناتو بالمنظمة الـ”بالية”، ومنذ توليه منصبه، تساءل مراراً عن التزام الولايات المتحدة الأمني تجاه حلفائها.

على الرغم من قيام رؤساء الولايات المتحدة من كلا الحزبين منذ هاري ترومان بدعم الاندماج السياسي والاقتصادي لأوروبا، أيّد ترامب قرار المملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الأوروبي.

وبعد أن خاض حملته الانتخابية بوصفه المرشح الأكثر تأييداً لروسيا منذ عهد هنري والاس، لم يكن من المستغرب أن يقلّل ترامب من قدر نفسه أمام الرئيس فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحفي المشترك في هلسنكي. عندما صادق ترامب على إنكار بوتين التدخل في الانتخابات، لم يكتفِ ترامب بتأييد أقوال الرئيس الروسي بشأن التقييم الإجماعي لوكالات المخابرات الأمريكية وكبار قادة الكونغرس في الحزب الجمهوري فقط، بل إنه غطى أيضاً على معاداة روسيا للمصالح والقيم والتحالفات الأمريكية.

لكن حقيقة أن ترامب يريد تفكيك النظام العالمي الليبرالي غيّب السؤال الأكثر أهمية عمّا إذا كان يستطيع فعل ذلك. ووفقاً لما كتبه ستيوارت باتريك في مجلة فورين بوليسي، فإن النظام يتفكك بالفعل، فخلال 18 شهراً، مزق ترامب واخترق فروع التضامن الغربي التي رعاها أسلافه بدأب على مدى سبعة عقود. ويضيف: “إن حلفاء الولايات المتحدة ينتهجون استقلالاً استراتيجياً”، “يعملون مع الصين لحماية العولمة”، و”ينتهزون الفرصة للدفاع عمّا تبقى من العالم المفتوح من تخريب مؤسسه السابق”. ومع تنازل الولايات المتحدة عن القيادة العالمية، يعدّ “الاتحاد الأوروبي” أفضل أمل للأمميين الليبراليين.

باتريك محق حول نوايا ترامب، لكن مثل العديد من المحلّلين ينعون قبل الأوان سقوط النظام الليبرالي العالمي، فهو يكتب كما لو أن رئيس الولايات المتحدة يتصرف دون قيود من قبل الكونغرس أو حتى من قبل إدارته. لو كان ترامب موجوداً في نظام سياسي مختلف، نظام فيه عدد أقل من الضوابط والتوازنات والقيود الخارجية على سلطة الرئيس، فإنه سيكون أكثر خطورة بكثير. إن سلوك ترامب كرجل أعمال، وخطابه الاستبدادي، وإعجابه المتكرر بالرجال الأقوياء يشير إلى ميول ديكتاتورية.

ولكن بما أن ترامب ربما يكون أول من يعترف بأن إدارة بلد ديمقراطي -مع وجود وسائل إعلام حرة، وقضاء مستقل، ومجتمع مدني نشط، وحزب معارض فعّال، وانتخابات دورية– ليس مثل إدارة شركة عائلية على الإطلاق. لو كان ترامب رئيساً لإحدى جمهوريات الموز، أو ديمقراطية غير مكتملة مثل المجر، فسيكون من الأسهل عليه بمفرده تقويض المؤسسات الديمقراطية في بلاده وإعادة توجيهها جيوبولاتيكياً بعيداً عن العالم الحر. لحسن الحظ ، فإن ترامب، مهما كان نزوعه الاستبدادي ، فهو الزعيم المنتخب ديمقراطياً لأقدم جمهورية دستورية في العالم، وكانت محاولاته لإبطال النظام العالمي الليبرالي الذي مضى على إنشائه سبعة عقود والذي بنته وأدامته أمريكا فاشلة إلى حدّ كبير حتى الآن.

السبب الرئيسي في ذلك هو أن ترامب، على الأقل في مجال السياسة الخارجية والدفاعية، إما غير راغب أو غير قادر على توظيف إدارته مع الانعزاليين الذين يحملون تفكير “أمريكا أولاً” نفسه. والجهاز الدبلوماسي والأمني في الولايات المتحدة كبير جداً، إذ يتألف من عشرات الآلاف من الأشخاص، ويتطلّب عدداً كبيراً من الأفراد الملتزمين أيديولوجياً والبيروقراطيين المهرة لتحويل دور أمريكا العالمي وفق الطريقة التي يرغب بها ترامب. بدءاً بوزير الدفاع جيمس ماتيس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ومواصلة التسلسل البيروقراطي إلى ويس ميتشل، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية، وفيونا هيل، مديرة الشؤون الأوروبية والروسية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، لا يوجد أحد في المستويات العليا من الدبلوماسيين العسكريين الأمريكيين من يشارك الرئيس عداوته للاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، أو القيادة الأمريكية العالمية، بغض النظر عن ميله الغريب إلى بوتين. إن دور هؤلاء المسؤولين الوطنيين في كبح أسوأ دوافع ترامب، واحتمالية استبدالهم بأيديولوجيين غير متفوقين وغير أكفاء، يجعل الدعوات المتكررة لهم بالاستقالة قصيرة النظر.