الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الكتب.. وطيور السنونو!

حسن حميد

أشعر بسعادة غامرة، وقد آلت ليالي معرض الكتاب الدولي في مكتبة الأسد، إلى تقديم رسالة على غاية من الأهمية فحواها أن الكتاب هو حياة السوريين وشغفهم ليس لأنهم هم صانعوه، وإنما لأنهم هم عشاق المعرفة على اختلاف صورها وأشكالها ومعطياتها، ولأنهم هم ورثة معاني الكتب والكتابة والإبداع وجولان العقل في فضاءات الاشتقاق والابتكار.
قديماً كانت جملة ترنُّ في أذهاننا رنين الذهب العتيق، تقول إن صنّاع الكتاب في البلاد العربية، هم السوريون والمصريون، ومن يطبعونه ويوزعونه هم اللبنانيون، ومن يكشفون عن مستبطناته وجمالياته هم العراقيون؛ اليوم، ومن خلال معرض دمشق الدولي للكتاب، وفي زمن الحرب يكشف المعرض أن أهل الرأي والتعبير والأدب والثقافة والمعرفة في سورية هم المؤلفون، وهم صنّاع الكتاب، وهم من يكشفون عن مستبطناته، وهذا ما تجلّى عنه الحضور البهّار لدور النشر السورية، ومنها دور نشر جديدة، أعمارها من عمر الحرب التي فُرضت على سورية، والحضور المدهش للأُسر السورية بكبيرها وصغيرها من أجل اقتناء الكتاب، وتعميد المعرفة بالقراءات الجديدة للأجيال الجديدة لكل ما يتعلق بالتاريخ، والجغرافية، والعقيدة، والقيم، والسياسة، والاجتماع، ولاسيما بعد الذي أحدثته ظروف الحرب ومقتضياتها من تغيّرات أصابت الكثير من مواضع النبل.
حال ثقافية ربيعية بألوانها وجمالها بناها معرض دمشق الدولي للكتاب في كل نفس زارته، وقد كانت وراء هذه الحال جهود جبارة كيما يظل عنوان العمل السوري النجاح والرقي، واللافت للانتباه أن المعرض تلافى بعض الهنات التي سبقت في دورات سابقة، فاستقطب دور نشر جديدة، واستعاد إليه دور نشر معروفة كانت من دور النشر الأساسية في المشاركة والمتابعة، وأردف ذلك بنشاطات ثقافية حاولت، قدر استطاعتها، أن تلبي رغبات أهل الأدب والثقافة والمعرفة والفنون، وقد استحوذت على جمهور قانع بأن النص الأدبي إبداع، ومرآة لجولان العاطفة والعقل في آن، كما أن المعرض لهذه الدورة شهد توقيع الكتب التي ألفها أصحابها وعلى نحو غير مسبوق، فقد كانت الإعلانات عن توقيع الكتب رديفة لصوت فيروز الساحر الذي منح هواء المعرض المزيد من البريق والجمال والعافية، عشرات من الكتّاب وقّعوا كتبهم الجديدة، في الأدب، والثقافة، والفنون، والأساطير، والدراسات والبحوث، والسياسة، والمذكرات، واليوميات، والسير الذاتية، حتى خيل إلينا جميعاً أن ما من جناح في المعرض إلا واستقطب أبرز الكتّاب الذين استحوذت عليهم دور النشر الرسمية (اتحاد الكتّـاب العرب، ووزارة الثقافة) ودور النشر الخاصة، وبعض هذه التوقيعات للكتب كانت أشبه بتوقيعات الموسيقا، أشبه بالجذل الربيعي، أشبه بالكرنفالات، وهذا ما يؤكد أن الثقافة هي حال من الوعي والحب والمتابعة والخلاص من شوائب الحياة، بل من شوائب الحرب، وفي مقدمتها الهواء الأصفر الذي أتعبه السوريون ودوّخوه حتى هزموه بالصبر، والثبات، والمحبة، والتعاضد، والمساهرة لكل ما هو جمالي ونايف وبديع وآسر.
إن حضور الناس في معرض الكتاب الدولي بدمشق، وطوال ليالٍ بارقات، كان عافية وطنية وأكثر، وجمالاً وزهواَ وأكثر، واستعادة حقيقية للحياة/ للفرح وقد حاولت سنوات الحرب أن تشوّه صورها ومشاهدها. ولكن ليالي المعرض لم تخلُ من بعض المشاهد التي لا تليق بالثقافة والمثقفين، وبالمعرفة وأهلها، ومنها نزعة الاستعلاء التي أبداها بعض الضيوف القادمين من الدول العربية، بدلاً من روح الفرح والابتهاج بعودة الكتب التي تعني الربيع وعودة طيور السنونو إلى الفضاءات السورية، ومع أن هذا الأمر كان فردياً وعرضياً وهامشياً إلا أن الإشارة إليه ضرورية.. ففي الشام، ومنذ خلقت لا مطرح فيها للاستعلاء، ولاسيما حين يكون معلقاً في الفضاء لا أرض له ولا جذور، وليس من أحد حوله سوى الوهم.. أو الفراغ.
Hasanhamid55@yahoo.com