وخير جليس في الأنامِ
يخطر في البال السؤال التالي: بما أننا نحتفل بمعرض الكتاب: تُرى كم هو عدد الكتب المطبوعة منذ عام 2011 وحتى 2018؟ نستطيع ن نحظى برقم تفصيلي، لكن العبرة ليست هنا، بل بالجواب على السؤال التالي: أعطونا 10 كتب قامت من بين زحام أرقام الطبع، ساهمت بشكل فعلي في إخماد ولو الجزء اليسير من اللهب السوري الذي لا يزال مشتعلا؟.
في الحقيقة ظهر ما يربو على 10000 آلاف كتاب بين دور نشر خاصة وعامة كالهيئة السورية للكتاب، إلا أن المواظب على تفحص تلك الكتب بعجالة، سيرى أن الشعر هو المتصدر لصفحات الكتب، جميع أنواع الشعر، العمود، التفعيلة، النثر، النبطي، وهناك أيضا أنواع لم نجد لها تسمية، كتلك التي تقترح الأشكال الهندسية، كمكافئ بصري لمفردة ما، أو لمعنى ما، وما هذا إلا بالهرطقة، فدمج الفنون ليس بهذا اليسر؛ وعند التوجه للبحث عن الكتب ذات الدراسات القائمة على أصول الدراسة ذات المنهج العلمي، فسنرى دون مزيد عناء، أن الاعتباطية واحدة من الصفات التي تعامل فيها الكاتب وليكن “س” مع ما بين يديه أوراق بيضاء، ما يهم فيها ملأها بالمفردات، وكثرة الصفحات، بغض النظر إن كان الكتاب المقدم، يحمل فكرا جديدا مشعشعا يقبض على الدنيا، أو فارغا من أي مضمون فكري متكامل، خاص بصاحبه، لا بما استعان به من بحوث قام بها غيره، سواء في كلاسيكيات الفن أو الأدب أو الفلسفة وحتى العلوم، وإلا كيف نفهم هذا الفقر المدقع، في رفد المنهج المدرسي المحلي، بالكتب الصالحة لهذه الغاية التنويرية، والتي كانت تدخل سياق المنهاج التدريسي دون أن يعلم صاحبها أنه فعل ذلك، بقصد أو بدونه!.
بالتأكيد هذا الكم في الإصدارات التي كما قلنا انتشرت كالنار في الهشيم، وتشابه مضمونها حد التطابق، لا ريب وأنه سينتج يوما ما “النوعية” التي نريد لأبنائنا أن تجعلها من بعض قدوتها في العمل والحياة والتحصيل العلمي، أما ما هو موجود اليوم، وبكل هذه الوفرة، فإنه ولحد اللحظة، لا يعول عليه مئة بالمائة، ليكون محط اختبار العقول التي تنتظر أن تمتلئ بالقيم لا بالترهات.
ولكن يسعنا القول بكل ضمير مرتاح، أن لدينا شعراء، لو تسنى للبلد رعايتها بكرامة، لكان البعض من تلك الألوف قد أنجز وحقق ما يواكب العصر، ويدخل على الفكر بل ويعمل على تحريره، كما فعل ذات يوم أبو النواس، او الجرجاني –في دراسته المستفيضة لأحوال الشعر في زمنه وغيرهم سواء كانوا عربا أم أعاجم- ومن الآن وحتى ذاك الوقت الذي ننعم فيه بكتاب قيّم يرفد مناهجنا الدراسية بكل ما هو قيّم وجدي ويشغل الفكر، فلنبقى على الأقل نتعلم من الكتب التي بنت أجيالا عظيمة لا يمكن نكرانها، ولا من داع لاستجلاب “السخف” في “نثيرات”بلا معنى من قبيل “أدخن كقطار/ أحشش كأرنب/ حلت هنا وهناك، عوضا عن بابا بابا يومك طابا، أو الضحك في آخر الليل، وغيرها من النتاجات الأدبية والفكرية، التي حققت يوما ما، معادلا عقلانيا، يوازن بين القيمة الفكرية، وعقل النشء وقدرته على الاستيعاب، هذا النشء الذي يزاحمه على كل ما هو حق، كل ما هو باطل، وبهذا فليتنافس المتنافسون، لا بغيره أيها السادة.
تمام علي بركات