دراساتصحيفة البعث

أوروبا في عالم متغير

 

ترجمة: عناية ناصر
عن موقع غلوبال تايمز 5/8/ 2018
يستحق مقال “كراستيف” في مجلة فورين بوليسي “نسخ أوروبية تنهار في الوقت نفسه” الاهتمام، فتحليله جزء من نقاش واسع حول الهشاشة الأوروبية والغربية على مدى العشرين سنة الماضية.
دفعت المشكلات الأوروبية، في ظل ظهور قوى سياسية جديدة وضعف الاتحاد النقدي، إلى المطالبة بإصلاح الاتحاد الأوروبي أو التخلي عن الكتلة الأوروبية. وعلى الرغم من الإرادة الرسمية للحفاظ على اليورو وتجربة الاتحاد الأوروبي، هناك حاجة ملحة لمواجهة المشكلات الهيكلية الجدية، والتي طُرحت على نطاق واسع في المقالات والكتب خلال السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، لم تتوصل النخبة السياسية والبيروقراطية الأوروبية إلى فهم سبب ذلك، في دفاعها عن الاتحاد الأوروبي أيديولوجياً، بغض النظر عن الواقع. عزا كثيرون المشكلات الحالية للاتحاد الأوروبي إلى سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة بشأن الناتو والقضايا التجارية، ومع ذلك، فإن العديد من المشكلات ظهرت قبل تولي ترامب السلطة.
مع التركيز على ما يُسمّى المنعطفات الثقافية الجديدة ، فإننا نخاطر بفقدان الفرصة لتحسين التجربة الأوروبية في المراحل التاريخية المضطربة التي تمرّ بها، إذ أننا بحاجة لمعالجة المشكلات الهيكلية الأوروبية.
على سبيل المثال، تشهد إيطاليا، والتي تعدّ موطن حلم التكامل الأوروبي، أطول أزمة اجتماعية واقتصادية في التاريخ الجمهوري بأكمله. لقد ردّ ألبرتو باجناي، النائب عن رابطة الشمال، على تساؤل: كيف يجب علينا إعادة توجيه المسار الأوروبي بالقول: “لا يجب الرضوخ للقوانين كشيء مقدّس، فهي أدوات يجب أن تتكيّف مع الزمن.. والتطبيق الصارم للقوانين غير العقلانية في كثير من الأحيان لا يتماشى مع مصلحة الاتحاد، فهذه القوانين تُقدم بشكل متزايد كذريعة للطبقة السياسية”.
الغرب يفقد جاذبيته، ليس منذ وصول ترامب إلى السلطة، بل قبل ذلك بسنوات. لقد ثبت أن “محاكاة النموذج” الغربي المجسّدة في تحالف عسكري واقتصادي معزّز مع الولايات المتحدة كانت كارثية جيوسياسياً واقتصادياً في المشروع الأوروبي الذي سقط منذ الثمانينيات في فخ النيوليبرالية، وفشل بالفعل في أجزاء كثيرة من العالم!.
يشير “كراستيف” في مقالته إلى أن على الاتحاد الأوروبي صياغة قوته العسكرية الخاصة، ومع ذلك، فإن واشنطن لن تقبل أوروبا مستقلة بشكل كامل، عسكرياً واستراتيجياً. تريد الولايات المتحدة أن ترى أوروبا خاضعة عسكرياً لحلف الناتو الذي تقوده، قوية اقتصادياً كسوق، ولكنها ضعيفة جيوسياسياً.
وفوق ذلك كله، خلال فترة تاريخية تقوم فيها أوروبا بإعادة بناء الجسور مع الصين، تخشى الولايات المتحدة من فقدان هيمنتها. لا تريد الولايات المتحدة تفكك الاتحاد الأوروبي، ولكنها لا ترغب في وجود اتحاد أوروبي قوي ككيان مستقل جيوسياسياً.
ونشير إلى اقتباس من مقالة نُشرت عام 2005 لـ”روبرت كابلان”، أحد المحافظين الجدد المؤثرين في مجلة “ذا أتلانتيك” بعنوان “كيف سنقاتل الصين”، عبّر فيها عن موقف الولايات المتحدة الجوهري تجاه أوروبا: “إن الناتو وقوة دفاع أوروبية مستقلة لا يمكنهما التعايش.. ولا يمكن إلا أن ينجح إلا أحدهما، ويجب أن نرغب في أن يكون أولهما “الناتو”، وبذلك تكون أوروبا رصيداً عسكرياً لنا وليست مسؤولية عندما نواجه الصين.
تولد الاحتكاكات التجارية عبر الأطلسي توترات شديدة بين جانبي المحيط، على الرغم من ظهور بعض علامات التحسّن مؤخراً. قد يؤدي نهج ترامب تجاه حلف الناتو ونحو روسيا إلى إعادة معالجة الموقف من النظام الإمبراطوري الأمريكي ومن الناتو. ومن جانب مقابل، فإن الإعلان الأخير لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن نيّة الولايات المتحدة الاستثمار في تنمية منطقة المحيط الهادي والهندي هو الشكل الأضعف للحفاظ على منافسة الصعود السلمي للصين.
أعتقد أنه من المستحيل تاريخياً الفصل بين مراحل التكامل الأوروبي والتوسع الأمريكي، من خلال الشركات والقوة العسكرية. غالباً ما تحذف وسائل الإعلام المهيمنة هذا الجزء التاريخي، وإذا أردنا أن نناقش الأزمات الأوروبية الماضية والحالية، فنحن بحاجة إلى التأكيد على التحولات الدولية في جميع أنحاء العالم خلال العقود الماضية، مالياً وتجارياً وجيوسياسياً.
لقد ظهرت الأزمات الأوروبية بسبب مزيج من الأخطاء السياسية والاقتصادية الداخلية والدولية، المرتبطة بمجموعة من المسؤوليات المشتركة. على سبيل المثال، يرتبط الاختلال الهيكلي في أوروبا بالأخطاء الداخلية: “بدأ تفكك الاتحاد الأوروبي عندما بدأ تدمير بنية المجتمعات، والتي ركزت على بلد مصدر بشكل بنيوي مثل ألمانيا، تمتصّ السيولة من المحيط، والتي تقود الانكماش والدمار الاجتماعي والاقتصادي”. من وجهة النظر هذه فإن العملة الموحدة أظهرت الفروق التنافسية بين البلدان، كما يقول “جياكومو جابليني”، الباحث المستقل ومؤلف كتاب “يورو كراك” في عام 2015.
على النطاق الجغرافي العالمي، فإن شنّ الحروب ضد الدول ذات السيادة، مثل صربيا وليبيا وسورية، على سبيل الذكر لا الحصر، لا يمكن تفسيره على أنه عوامل هامشية في أزمات الهجرة الحالية والمشكلات الإقليمية حول أوروبا، إضافة إلى ذلك، فإن دعم الانقلاب في أوكرانيا، كما فعلت الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما، يعني دعم قوات النازيين الجدد في “حكومة ديمقراطية”!! شرعتها الولايات المتحدة وشركاؤها بطريقة سخيفة في أوروبا، على الرغم من الوجود القويّ لقوى اليمين المتطرفة.
أُهملت هذه النقطة تماماً من خلال الخطاب السائد في الولايات المتحدة، والذي أوجد ثغرة في عرض ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو نهج تعاوني، ويكمن في التدخل المستمر في الدول ذات السيادة من خلال أساليب غير ديمقراطية وعنيفة.
يدرك الاتحاد الأوروبي أنه يستطيع إصلاح نفسه من خلال أخذ النقد الجاد والمتعدّد على محمل الجد، وأن يعيد التفكير في الوقت نفسه في دوره الدولي. إن دعم التعددية، كما يزعم الاتحاد الأوروبي دائماً، يلزمه بتعزيز التعاون مع الصين التي تقدم فرصة للعالم بأسره من خلال نهج تعاوني منفتح يتلخص بوضوح في مبادرة الحزام والطريق.